اختبار ذكاء
مشكلة حكومتنا- هذه ومن سبقها- أنها أدمنت تحميل الآخرين أخطاءها ورمي أي فشل لها على من حولها لتبرئ نفسها من أي ذنب، تطبيقاً عملياً للأغنية الشهيرة "مظلومة يا ناس مظلومة، وبريئة ولكن متهومة"!وقد جاء زمن كان فيه الغزو العراقي عذراً لكل فشل حكومي، وسبباً للشلل الذي أصاب الدولة على كل الصعد لعقد من الزمن، تأخرنا فيه عن دول الجوار لنصبح في مؤخرة الركب، لكن الأميركيين- جزاهم الله خيراً- رحمونا من هذا العذر بعد أن قضوا على المقبور "سيئ الذكر" لتعود العلاقات مع العراق إلى وضعها الطبيعي، فوقعت الحكومة في حيرة من أمرها، وهي تبحث عن عذر جديد، لكن حيرتها لم تطل كثيراً، فقد وجدت لها عذراً جديداً رمته فوجد له قبولاً عند البعض الذي روج له ليصدقه الجميع، وأولهم الحكومة نفسها، فقد أصبح "فجأة" نواب المعارضة من أصحاب الصوت العالي الذين أطلقت عليهم لقب "المؤزمين"، هم من يشغلون الحكومة عن أداء دورها "الرائع" في تنفيذ المشاريع وتنفيذها على الوجه المطلوب، وهم السبب في كل المشاكل التي يعانيها المواطن من سكن وتطبيب ودراسة وزحمة طرق، وصدقنا، وقلنا "ماشي"، "بلاش معارضة"، لننتخب نواب "الصداقة والسلام" مع الحكومة كي نرى كيف ستصنع وماذا ستعمل في ظل الأجواء "الرومانسية" الحالمة؟!
فجاء مجلس الصوت الواحد الأول "صديقي 1"، الذي استمر في العمل لما يقارب الأشهر الستة قبل أن يبطل بحكم من "الدستورية"، والذي "صمخوا" رؤوسنا بإنجازاته التي لم تتعد البصم على المعاهدات الخارجية ومشاريع القوانين الحكومية، فكان من رحمة الله أن كان عمره قصيراً، فذهب دون أن تذرف عليه دمعة... تائهة!ليأتي بعد ذلك المجلس الحالي "صديقي 2" الذي لا يختلف عن سابقه في شيء سوى درجة الانحناء للحكومة، فهي أكبر هذه المرة، والمفترض والحال كهذا أن تقوم الحكومة بعملها، وأن تنجز على الأقل بعض المشاريع الإسكانية التي جاوزت المئة ألف طلب، في ظل الأسعار الخيالية للمنازل، والتي لو عاش المواطن العادي على الكفاف لخمسين سنة بهدف التوفير، فلن يتمكن من جمع المبلغ اللازم لشرائه! لكن حكومتنا، لله درها، حتى مع توافر الفوائض المالية الهائلة لا تستطيع القيام بأبسط مهامها، فما كان منها سوى اللجوء إلى عادتها السابقة برمي عللها على الآخرين، وهذه المرة كان الدور على "ديوان المحاسبة" و"لجنة المناقصات"، فقد اتضح لها بعد طول تأمل وتفكير أن هذه الجهات الرقابية هي السبب في هذا البطء والتعطيل والتأخير، وأنه لولاها لكانت كل المشاريع الإسكانية لا تتجاوز في تنفيذها الثلاثة شهور على أكثر تقدير!والحق أننا لا نعلم الغرض من طلب الحكومة إلغاء هذه الرقابة، وما الغاية التي تهدف إليها، لكننا سنحسن الظن ونقول إنها عاجزة وليس لديها ما تقدمه، وإنها تبحث عن عذر تبرر به عجزها ليس إلا، وأنه ليس هناك أطراف تضغط عليها لتصبح الأمور سائبة لتسرح وتمرح دون رقيب أو حسيب، لذلك، ومن باب حسن النية، نرى أن هذه الحكومة- أو جزء منها- ليس لديها ما تقدمه، وأن رحيل بعض أعضائها أجدى من بقائهم، خلاص يا جماعه، لبستوا "البشت" كم شهر، كافي... سلموه لغيركم!فليس هناك حكومة "عليها القيمة" وتحترم عقول شعبها تطلب ما تطلبه حكومتنا، "بطلوا ده واسمعوا ده"، إذا كنّا مع الرقابة المسبقة "تتبخر" ملياراتنا دون أن نشعر بها، فكيف ستكون الحال من دونها؟!يقول المثل: "حدث العاقل بما لا يعقل، فإن صدق، فلا عقل له"، ومن الواضح أن الحكومة بطلبها هذا تريد أن تختبر عقولنا، وتتأكد من نسبة ذكائنا ليس إلا، قلقة هي علينا كثيراً!