بعد مرور أكثر من ستة أشهر على حركة الثلاثين من يونيو فإن المفترض أن تعيد مصر النظر في موقفها مما يجري في سورية وأنْ لا تبقى واقفة على الحياد، وقد تجاوزت أعداد القتلى من أبناء الشعب السوري المئة والثلاثين ألفاً، وقد فعل بشار الأسد بهذا الشعب أكثر كثيراً مما فعله النازيون بالشعب الألماني، وقد تحول هذا البلد العريق إلى أكوامٍ من الحجارة والأتربة وإلى مقابر جماعية في كل يوم تضاف إليها مقبرة جديدة.

Ad

ربما في البدايات، بعد الثلاثين من يونيو، كان مبررا ومفهوما أن تأخذ مصر ذلك الموقف الذي اتخذته، والذي لا يزال مستمراً حتى الآن، فالانطباع الذي كان سائداً هو أن الإخوان المسلمين (السوريين) هم من فجَّر الثورة السورية، وأن قطر هي الوحيدة التي تقف وراء هذه الثورة وتدعمها، لكن وقد اتضح خلال هذه الفترة أن إخوان سورية لم تعد لهم أي علاقة تنظيمية لا بالتنظيم العالمي، ولا بـ"إخوان" مصر، وأنهم قد غادروا المعسكر القطري وانتقلوا إلى معسكر آخر فأصبحوا عضواً فاعلاً في الائتلاف الوطني والمعارضة السورية.

وكذلك فإن الولايات المتحدة، التي اتخذت في البدايات ذلك الموقف المتسرع الأرعن غير المفهوم وغير المبرر تجاه الثلاثين من يونيو ورموزها، قد تراجعت عن هذا الموقف وأعلنت أن الإخوان المسلمين قد "سرقوا" ثورة يناير من أصحابها الحقيقيين، وأنه ليست لهم أي علاقة بهذه الثورة... ثم إن رجب طيب أردوغان الذي انحاز إلى الطرف المُخطئ واتخذ موقفاً سيئاً ضد الحركة التصحيحية، التي نفذتها القوات المسلحة استجابة لرغبة الشعب المصري بأكثرية زادت على الثلاثين مليوناً، قد أصبح في وضع لا يُحسد عليه، وقد فقد الكثير من شعبيته وتراجعت تطلعاته لأن يصبح "الإمبراطور" الإسلاموي الأوحد في هذه المنطقة.

وأيضاً وفوق هذا كله فإن المؤكد أن قادة مصر الحاليين يعرفون تمام المعرفة أنَّ من زرع بذرة الإرهاب في سيناء هو إيران، وأنَّ الإخوان المسلمين ومعهم حركة "حماس" الإخوانية قد أصبحوا يستظلون بظل الولي الفقيه بعدما عادوا إلى بيت الطاعة الإيراني وبعدما ازداد التقارب بين دولة الولي الفقيه وتركيا الأردوغانية، وكل هذا يعزز مطلب ضرورة أن تعيد مصر النظر في معادلة تحالفات هذه المنطقة، وأن تكون أول المؤيدين والداعمين للثورة السورية.

إن من غير المعقول والمقبول أنْ يكون هناك كل هذا الصراع في سورية وعليها ومصر، التي لا يمكن ولا يجوز أن تتخلى عن دورها القيادي والريادي في المنطقة العربية كلها، تنأى بنفسها عن "لعبة الأمم" الجديدة هذه في بلد عربي رئيسي كان ذات يوم ينضوي إلى جانب أرض الكنانة في إطار "الجمهورية العربية المتحدة"، وكان دائماً وأبداً يعتبر القاهرة بمثابة الأمة العربية من المحيط إلى الخليج.

والمؤكد أنَّ القيادة الجديدة التي أقدمت على تلك الخطوة الشجاعة وأنقذت مصر من تنظيم حزبي استبدادي، كان سيأخذها إلى كارثة فعلية ومحققة، تعرف تمام المعرفة أن نظام بشار الأسد يشكل الزاوية الرئيسة للمشروع التوسعي الإيراني الذي حقق نجاحات ملموسة في العراق وفي اليمن وفي لبنان وبالطبع في سورية، وأيضاً في غزة التي أصبحت في ظل حكم "حماس" شوكة في الخاصرة المصرية؛ ولذلك فإنه لابد من أن يعيد الأشقاء المصريون النظر في معادلة استقطابات هذه المنطقة وتمحوراتها، وأن يبادروا إلى إسناد المعارضة السورية التي تشكل الخندق الأمامي المتقدم في مواجهة الموجة الصفوية الجديدة.