أفغانستان... ليست حرب أوباما

نشر في 26-01-2014
آخر تحديث 26-01-2014 | 00:01
كيف يستطيع أي قائد أن يحدد سلفاً وضع حالة طارئة لا يمكن التنبؤ بها؟ كانت إشارة إلى الصديق والعدو بأنه لم يكن جاداً، وبدا كأنه أراد تضخيم تلك الإشارة، قائلاً «إن الأمة التي أهتم ببنائها بقدر أكبر هي أمتنا»، مقوضاً بذلك أهمية الحرب التي كرس لها القوات الجديدة.
 واشنطن بوست  يقول وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس إنه توصل، بحلول مطلع سنة 2011، إلى استنتاج بأن الرئيس أوباما لا يثق باستراتيجيته (الخاصة بأفغانستان)، ولا يعتبرها حربه.

ليست معركته؟ أميركا تخوض حرباً وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، وبالنسبة إلى الجندي الذي يتعرض لإطلاق نار في الميدان لا فارق لديه تحت أي إدارة بدأت الحرب. وفي حقيقة الأمر فإن ثلاثة من أصل أربعة من الأميركيين قتلوا في أفغانستان تحت قيادة أوباما. وهذا يعنيه بما فيه الكفاية.

الأكثر من ذلك أن شكوك غيتس حول أوباما بدأت قبل ذلك بوقت طويل. وقبل سنة توصل غيتس عبر محاولته فهم كيفية قيام مسؤولين رفيعين علانية بالعمل ضد سياسة محددة إلى استنتاج بأن «التفسير الأكثر احتمالاً هو أن الرئيس نفسه لم يكن يصدق حقاً أن الاستراتيجية التي أقرها سوف تنجح». كان هذا بعد أربعة أشهر فقط من الأمر الذي أصدره أوباما بإرسال الزيادة المقررة في عدد القوات بواقع 30000 جندي إلى أفغانستان، وهو يحذر البلاد من أن «أمننا على المحك... وكذلك أمن حلفائنا والأمن المشترك للعالم».

المفارقة في كشف غيتس لنقص إيمان الرئيس أوباما بسياسته هي أننا كنا نعلم ذلك من قبل. وكان أوباما يبعث بملاحظات متضاربة منذ البداية. وفي خطابه في كلية «ويست بوينت» العسكرية حول خطة زيادة عدد القوات المعروفة باسم «سيرج»، كانت الجملة الأولى بعد الإعلان عن الخطة نفسها هي إعلان لاحق بأن القوات الإضافية سوف تنسحب من أفغانستان خلال 18 شهراً.

كيف يستطيع أي قائد أن يحدد سلفاً وضع حالة طارئة لا يمكن التنبؤ بها؟ كانت إشارة إلى الصديق والعدو بأنه لم يكن جاداً. وكما لو أنه أراد تضخيم تلك الإشارة. وأضاف أوباما أن «الأمة التي أهتم ببنائها بقدر أكبر هي أمتنا»، وقد قوض بذلك على الفور أهمية الحرب التي كرس لها القوات الجديدة.

كنت قد كتبت حينذاك أن مثل ذلك التناقض المدهش أفرز أكبر صرخة من عدم اليقين يطلقها رئيس، صرخة قد تفيد بأن قلب أوباما لم يكن قط مناصراً لذلك المسار.

ونحن نعلم الآن. وفي حقيقة الأمر، فقد أصبحت تلك المسألة جلية بالنسبة إلى وزير دفاع أوباما خلال بضعة أشهر- قبل وصول أكثرية القوات إلى ميدان القتال، وحتى قبل أن يتم اختبار الاستراتيجية الجديدة.

كيف يمكن لرئيس أن يرسل قواته في مهمة لا يؤمن بها، مهمة يعلم أن البعض لن يرجع قط منها؟ ولعل الأسوأ من ذلك أن أوباما أمر بتحقيق تصعيد كبير يهدر الكثير من الدماء، لكن من دون أن يمس ذرة من رصيده السياسي، ويلاحظ غيتس أن أوباما خلال السنوات الأربع التالية تجاهل التزام أي قائد إزاء شرح ودعم ومحاولة حشد الأمة وراء تلك القضية.

وعندما أنهى عملية «زيادة عديد القوات» في أفغانستان أخيراً قام بذلك في وسط موسم القتال في عام 2012، وهو أمر غير منطقي أو متماسك من الوجهة العسكرية، لكنه ملائم ومريح من الناحية السياسية، فقد سمح لأوباما القيام بحملة دعائية لإعادة انتخابه معلناً أن «مد الحرب ينحسر».

وعلى أي حال يظل سؤال واحد، وهو إذا لم يكن ملتزماً بالمهمة، ولم يكن مكترثاً بالفوز فلماذا عمد أوباما إلى إرسال هؤلاء الجنود في المقام الأول؟

لأن الديمقراطيين ظلوا على مدى سنوات يستخدمون أفغانستان لحشد الناس ضد حرب العراق- في حين تمكنوا من تفادي الظهور السياسي الانتحاري، وكما اعترف المستشار بوب شروم في وقت لاحق «كنت جزءاً من حملة كيري في سنة 2004 التي أبرزت أفغانستان بوصفها الحرب الصحيحة» اتفاقاً مع الحكمة الديمقراطية التقليدية، وكان ذلك واضحاً كوسيلة لانتقاد إدارة بوش، ولكنها كانت أيضاً سياسة ارتدادية وربما غدت الآن مضللة.

خلاصة الأمر:

لم يكن الديمقراطيون جادين على الإطلاق بشأن أفغانستان (ولا حول العراق أيضاً، ويستعيد غيتس بشيء من الصدمة أن هيلاري كلينتون أقرت بأنها عارضت العملية العسكرية في العراق لأسباب سياسية، كما أقر أوباما بأن معظم المعارضة كانت، في حقيقة الأمر، سياسية).

وكانت النظرة الديمقراطية القائلة، إن حرب العراق كانت سيئة، وإن حرب أفغانستان جيدة، قد تولدت من خلال نصيحة حزبية لاستغلال مشاعر العداء لبوش وحرب العراق من دون تورط.

لقد كرر أوباما القول إن حرب العراق عملية غبية، وهي حرب خيار، أما أفغانستان فكانت حرب ضرورة، وهي جبهة مركزية في الحرب على الإرهاب، وهكذا كان أوباما في حاجة إلى رسم صورة من يحاول كسب الحرب الجيدة على الأقل.

ويقول غيتس: «لو كنت أثق بأن الجانب العسكري من الاستراتيجية كما رسمتها لن يفضي إلى نجاح ما كنت لأستمر في توقيع أوامر نشر القوات».

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer

back to top