من الواضح أن الأمن لن ينهار إن لم تتم المصادقة على الاتفاقية الأمنية. الاتفاقية لا معنى لها على الأرض إلا لتبرير أفعال خارجة على الأعراف الحقوقية والمنظومة الدولية لحقوق الإنسان؛ فكل ما فيها من بنود قد طُبِّق ويتم تطبيقه على أرض الواقع، ولم يكن يحتاج إلى اتفاقية كهذه. بالطبع هناك العديد من مواد الاتفاقية لا غبار عليها، وخاصة في شِق التعاون العام، وهي موجودة في اتفاقيات شبيهة إقليمية أو حتى ثنائية، لكن الاعتراض هنا يأتي على كل بند قد ينتهك حق الناس في التعبير السلمي أو حرياتهم الشخصية.

Ad

باستثناء الكويت، فإن الدول الأطراف الأخرى تستطيع الدخول والخروج متى شاءت، ليس لديها موانع دستورية، أو ضوابط قانونية، أو معايير دولية لحقوق الإنسان تؤخذ في الاعتبار، وبالتالي إن رأت خلاف ما نصت عليه الاتفاقية ورفضت التطبيق، أو حتى إن أرادت تجاوز الاعتبارات الحقوقية، فلن يثنيها أحد عن ذلك.

الأمن الخليجي الموحد يعاني تشققاتٍ بينية عديدة، وهناك بين الدول، اتهامات بالتجسس، واتهامات بالتدخل في الشؤون الداخلية، واتهامات بتعديات حدودية، واتهامات بتباين التحالفات، واتهامات بالتخوين والتحالف مع الأعداء، وتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وغير ذلك، كان آخرها الحملة التي شنتها بعض دول الخليج ضد سلطنة عمان لمجرد أنها أبدت رأياً ضد فكرة الاتحاد الخليجي، فكيف سيتم التعامل مع هذا التبعثر في إطار اتفاقية أمنية، خاصة عندما تكون «الاتهامات» المقصودة لا تعدو كونها تعبيراً عن رأي ناقد سلمي؟

التباين التشريعي بين الدول يمثل مشكلة أخرى، لاسيما أن الاتفاقية في مادتها الـ١٦ تتحدث عن مجرد اتهام لأي إنسان، فبموجب أي مرجعية قانونية سيتم تصنيف تلك «التهمة»؟ هل على أسس تقررها الدولة الطالبة أم الدولة المطلوب قيامها بتسليم ذلك «المتهم» التعس؟

الأمن على أية حال يبدأ من حماية أمن الإنسان الشخصي، وبالذات الإنسان البريء، وهو بريء بالضرورة، طالما أنه لم تتم إدانته بحكم قضائي نهائي تصدره محكمة عادلة مستقلة نزيهة، والأمن لن يتحقق من خلال ملاحقة ذلك الإنسان وتبادل المعلومات عنه وتفتيشه ومنعه من الدخول وإهانة كرامته، وهذا ما لا تضمنه الاتفاقية ولا توفره، بل إن كل المؤشرات تشير في الاتجاه العكسي.