الغرور ليس بالضرورة صفة سيئة بالمطلق! إذا نظرنا إلى الغرور من زاوية غير التي اعتدنا النظر من خلالها قد نجد أنه ضرورة أحياناً! عندما تبحث عن من يشعرك «بوجودك» فلا تجد، وعندما لا تجد من يشاركك فرحتك الصادقة بما تنجز حتى ولو كان هذا الإنجاز صغيراً، وعندما تعز اليد التي ترفعك عن طين الأرض ووحلها، وعندما لا تجد من يغنيك عن شر استعراضك لما تعتقد أنه جميل فيك، وعندما تحس أن «الجميع» قد مرّوا أمام خضرة بساتينك، ولم ينتبهوا لعبق أزهارك، ولا عذوبة مائك، ولم يصغوا لإبداع بلابلك، وتوشك على السقوط في هاوية الإحباط العميقة. يظهر الغرور لينتشلك بسرعة، ويقذف بك عالياً... إلى حيث تجد مكانا في السماء يليق بك كنجمة. الغرور هو السيد الوحيد (حينها) الذي يعيد لك التوازن والرضا عن نفسك، رغم أنف تجاهل ولامبالاة الآخرين!

Ad

الغرور هو الصديق الذي لا يخذلك أبداً. الغرور – باعتقادي – نعمة، ولكنه يصبح بشعاً وسيئاً عندما يجعلك تمارس على الآخرين نفس الممارسات التي أجبرتك على الاستعانة بغرورك، ويجعلك ترى نفسك لدرجة العمى، فلا تعود قادراً على رؤية الآخر!

فيتلاشى هذا الآخر أمام ناظريك حتى يختفي أو يكاد، وتتورم ذاتك جداً وتصبح مليئة بالهواء و(القرف)!

لست ضد الغرور بشكل قاطع، بل إنني أفهم تماماً لماذا يمارسه البعض و(أقدرّه)، لأنه تغطية لعجز الآخرين عن منحك الإحساس بقيمتك أو قيمة ما تعمل، بشرط ألاّ يتحول هذا الغرور إلى سلاح لقتل ذات الآخر أو تهميشه، لذا... أقول ان من يدعّي أنه ضد الغرور والمغرورين عليه أولاً أن يلوم نفسه لأنه أحد الأسباب التي سرّبت الغرور إلى نفس هذا المغرور، إنه أحد العاجزين عن رؤية جمال هذا الشخص، والبحث فيه عن شعاع ما، عن بهاء ما، عن شيء ما يستحق الإشادة والإعجاب، قبل أن يصبح مغروراً، هذا المحروم من كلماتنا الندية الخضراء، ومن مشاعرنا الفياضة تجاهه أو تجاه ما يقومون به من عمل أو إبداع، هؤلاء الذين استعانوا بالسيد الغرور ليقوم نيابة عنا بما عجزنا عنه، هؤلاء المغرورين من صناعة أنانيتنا وغرورنا نحن!

أعرف أن هناك من أصبح مغروراً لكثرة ما يسمع من كلمات الإعجاب والإطراء، وهؤلاء مرضى في الأصل وليس لهم عندي طب ولا طبيب، ولست في صدد الحديث عنهم، وهم بالمناسبة من صناعتنا نحن أيضاً، صناعة براءتنا أو جهلنا أو غبائنا. وهناك غرور آخر بشع، وهو غرور الذائقة! الذائقة التي تلغي كل مالا يتطابق تماماً معها، الذائقة التي ترى كل شيء بالأبيض والأسود فقط.

أسمى مراتب الجمال ليس في أن تحب مع ما يتفق مع ذائقتك، بل في قدرتك على أن تجد في ما لا يتفق مع ذائقتك ولو شيئاً صغيراً، يستحق منك التقدير والإعجاب.

وسنبقى بحاجة للغرور مادمنا نفتقد للإنصاف، وحتى ذلك الحين يظل السيد الغرور الصديق «النشمي» الذي لا يخذلك أبداً!