أمسك يد عروسك!

نشر في 18-02-2014
آخر تحديث 18-02-2014 | 00:01
 د. ساجد العبدلي   تأخر هذا المقال أربع سنوات إلا قليلاً عن موعد صدوره، حيث كان من المفترض أن يصدر عندما تجاوزت بي قاطرة العمر بوابة الأربعين عاماً تماماً، لكن عذري أني لم أنتبه للحظة المرور تلك، حيث كنت مأخوذاً بما يعتمل في داخلي من أفكار وطموحات ونزاعات ونزعات!

عندما يبلغ الإنسان سن الأربعين يكون قد بلغ أشده كما يذكر القرآن، أي أنه يكون قد بلغ قمة جبل قوته جسمانياً ونفسياً، فصار في أعلى حالات قدرته وأشدها على مواجهة كل أعباء الحياة وتحمل سائر تبعاتها، لكنه أيضاً، وإن لم يدرك ذلك ساعتها، ولكن سيدركه بعدها بسنوات قليلة كما في حالتي، يبدأ برحلة النزول الحثيث عن تلك القمة.

ما إن يتجاوز المرء سن الأربعين حتى تبدأ الإشارات والعلامات الدالة على هذه الحقيقة بالظهور في أنحاء جسده، كالنجوم تباعاً في كبد السماء مع حلول المساء. يبدأ الشيب باحتلال مساحات شعره التي كانت سوداء في ما مضى من العمر، هذا إن لم يسبقه الصلعُ إلى تلك المساحات، وتأخذ التجاعيد بشق أخاديدها في مساحات وجهه ورقبته وأطرافه، ولا تتردد عضلاته وعظامه عن خذله، وأحياناً خيانته، عند محاولته أداء ما اعتاد عليه من حركات ونشاطات.

وأصدقكم القول بأنه حين تهجم هذه الإشارات والعلامات، ينكرها الواحد منّا في البداية، فيحاول أن يقنع نفسه بعكسها بشتى الطرق، ويظل محتضناً طفولته ممسكاً بذراع شبابه ملتفاً حول فتوته، لكنها سرعان ما تنكره جميعاً مسلمة إياه إلى حقيقة عمره.

هذه هي الحقيقة الصارخة مهما حاول أي منّا أن ينكرها. العمر يمضي وتمر قاطرته على أجسادنا وأرواحنا وأنفسنا، تاركة آثاراً غائرة لا يمكن محوها وإزالتها.

لكنني وإن كنت قلت هذا، متحسراً على رحيل سنواتي الفتية، وهي التي أعترف بأني كثيراً ما أنظر إليها اليوم قائلاً يا ليتني عملت فيها كذا، ويا ليتني قضيتها في كذا فأنجزت هذا وأنهيت ذاك، فلست أحاول القول بأي شكل من الأشكال بأن على المرء منّا حينما يبلغ هذا العمر أن يتخلى عن مزاولة ما يحب من مناشط الحياة، أو أن يكف عن التفكير في عمل ما يحتاج منه إلى طاقة فتية ونشاط كبير، بل على العكس من ذلك تماماً.

أن يبلغ الإنسان أشده عند الأربعين يعني أنه صار جاهزاً ليبدأ حياته حقاً، وصار مسلحاً على مستواه النفسي والروحي على الأقل، بما يعينه على ذلك، وكل ما يحتاجه لينطلق في سائر دروب الحياة، جرعة كبيرة من الهمة والعزيمة والإصرار. نعم قد تخذله قدراته الجسدية في البداية، خصوصاً إن لم يكن من كثيري الحركة في الأساس، ولكنه سرعان ما سيتغلب على ذلك مع الإصرار والاستمرار في المران ومواصلة التدرب.

يا سيداتي وسادتي، وبالأخص من أبناء جيلي ومن قبلهم، يجب ألا يتخلى الواحد منّا عن أداء شيء مما يحب بذريعة تقدم العمر، وتكاثف الشيب وتكاثر التجاعيد. ليكن للواحد منّا هواية حرفية تتطلب منه الحركة، وليزاول نشاطاً يملأ قلبه بالشغف ويلف نفسه بالسرور وروحه بالسكينة، نشاط يخرجه عن دائرة مألوفه المستكين المريح، ويتطلب منه أن يبذل مجهوداً ويتصبب عرقاً.

يردد البعض أن "الشباب شباب الروح"، ويا لها من عبارة جميلة أحبها كثيراً، نعم إن الشباب شباب الروح، فمن شاخت روحه فلن ينفعه أنه يبلغ من العمر خمسة وعشرين عاماً فقط، ومن ظلت روحه فتية شابة وقَّادة، فسيقهر الشيب والتجاعيد وسيظل نشيطاً رائق المزاج عذب النفس حتى آخر لحظة من لحظات حياته.

سأستمر ممسكا يد الحياة، تلك الشابة الفتية دوماً، مهما بدا لي أنها تستطيب مد أياديها لمن هم أصغر سناً، لأنها ليست كذلك أبداً. إن الحياة عروس تمسك يد من يمسك يدها.

back to top