من حكايا "كليلة ودمنة" أن أسداً وثعلباً وذئباً أصابها الجوع فقررت الخروج معاً لاصطياد الطرائد، فوقعت على غزال وأرنب وحمار، فقال الأسد للذئب "ما رأيك لو تقسم الغنائم بالعدل؟".
فجاء رد الذئب: "الغزال لي، والحمار لك، والأرنب للثعلب"... وما إن أكمل حديثه حتى لطم الأسد رأس الذئب لطمة قوية فطار من مكانه! ثم التفت إلى الثعلب قائلا: "اقسم أنت بالعدل؟".فقال الثعلب: مولاي الأرنب لإفطارك، والحمار لغدائك، والغزال لعشائك!انفرجت أسارير الأسد لهذه الإجابة فقال للثعلب: "ومن علمك هذه القسمة العادلة؟"، فجاء الرد الذكي: "من رأس الذئب الذي طار".أعجبني الرد الذكي للثعلب، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على نباهته وفطنته وسرعة اتعاظه برأس الذئب الذي طار.تاريخنا الإسلامي يزخر بمواقف خالدة ومشرقة سطرها لنا المؤرخون في الطاعة والامتثال للأوامر، ففي إحدى الغزوات جاء كتاب إلى قائد الجيش خالد بن الوليد "سيف الله المسلول" من أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، يأمره فيه بالتنحي عن قيادة الجيش وتسليم الراية والقيادة لأبي عبيدة بن الجراح... امتثل خالد بن الوليد القائد الفذ لأمر أمير المؤمنين بكل رحابة صدر ولم يعترض عليه.كما يذكر لنا التاريخ السياسي موقفاً رائعاً للملك فاروق حاكم مصر خلال الفترة من 1936 إلى 1952م، عندما طالبه قادة الجيش بالتنحي عن الحكم! فماذا كان موقفه؟ هل أصر على البقاء في الحكم وقال: "عليّ وعلى أعدائي، أنا ومن بعدي الطوفان"؟وهل قتل وجرح وسجن وشرد شعبه؟ كلا كلا كل هذا لم يحدث بالمرة... بل لبى مطلبهم وتنحى عن الحكم فوراً حقنا للدماء... وخرج كملك محتفظاً بكرامته وعزة نفسه ومحبة شعبه الذي احتشد على بكرة أبيه لوداعه وهو يغادر مصر إلى روما.وقد ذكر التاريخ موقف الملك فاروق النبيل في تنحيه عن كرسي الحكم من دون إراقة نقطة دم.على عكس ما نراه هذه الأيام من بعض الحكام في سورية ومصر الذين يعتقدون أنهم قد ملكوا البلاد والعباد، يا ليتهم يتنحون عن الحكم بكرامتهم ويتركون الكراسي الزائلة لغيرهم ممن يختاره الشعب، فالتمسك بالكرسي مدة طويلة من دون رضا الشعب نتائجه وخيمة على الحاكم والمحكوم، وخير مثال ما حصل في العراق للرئيس المقبور صدام حسين، ومعمر القذافي في ليبيا، فمتى يتعظ الحكام بـ"رأس الذئب الذي طار"؟آخر المقال:إن المناصب لا تدوم لواحد إن كنت في شك فأين الأولو"لو دامت لغيرك ما اتصلت إليك".
مقالات
السعيد من اتعظ برأس الذئب
23-11-2013