ليست المرة الأولى التي يقدم فيها مجلس الأمة الحالي على اتخاذ قرار بشطب أحد الاستجوابات الموجهة إلى سمو رئيس مجلس الوزراء، وعلى ما يبدو فلن تكون المرة الأخيرة والسبب في ذلك أن إدارة المجلس مقتنعة تماما ان الغياب اللائحي عن معالجة مثل هذه الاستجوابات مرده الرجوع إلى قاعدة المجلس سيد قراراته رغم أن هناك قاعدة أخرى تسمو عليها وبنص دستوري وهي أحقية النائب في تقديم الاستجواب لكونه أداة رقابية على أعمال الحكومة شأنها شأن السؤال وطلب تشكيل إحدى لجان التحقيق!

Ad

ووفقا لقاعدة المجلس سيد قراراته ذات النفس السياسي والمزاجي تم إبعاد الرأي القانوني والدستوري المحايد الذي يعلو عليهما، والذي يؤكد أحقية النائب في تفعيل أدواته الرقابية وجعلت من ممارستها قيدا لم ينص عليه الدستور ولم يشر إليها لا من قريب ولا من بعيد فأضحى الاستجواب بسبب تطبيقها حلما يراود النائب لتحقيقه بعد أن كان حقا طبيعيا يمارسه وفق مسؤولياته وقسمه!

عندما فسرت المحكمة الدستورية المادة 100 من الدستور التي تكفل للنائب حق الاستجواب لم تقرر أي قيود أو محاذير على النائب لممارسة ذلك الحق سوى ما أشارت إليه بأنه حق يقرره النائب وله أن يختار الوقت الذي يشاء شريطة الا ان يكون متعسفا فيه، كما أنها لم تربط أحقيته في ممارسة ذلك الحق في قرار يتخذه المجلس بإحالته إلى اللجنة التشريعية لدراسة محاوره أو حتى شطبه من قبل المجلس إن كان مخالفا من وجهة نظر المجلس له، ومهما تضمن الاستجواب العديد من المخالفات الدستورية فكان يتعين أن يقف الوزير المستجوب ويتحدث بالمحاور التي يعتقد سلامتها ويرفض الرد على المحاور التي يرى مخالفتها للدستور، ثم ليستمع المجلس للمؤيدين للاستجواب وللمعارضين ومن بعدها تتم استكمال باقي الإجراءات المحددة للاستجواب.

اما أن يقوم المجلس باتخاذ قرار بشطب الاستجواب دون أن يستمع لرأي النائب المستجوب أو الوزير تحت ذريعة أن المجلس سيد قراراته فذلك يعني تجريد النائب من أدواته الرقابية التي كفلها له الدستور والتي سمح له أن يقدمها منفردا، دون قيد أو شرط، بينما السنة السيئة التي ابتدعتها إدارة المجلس الحالي والسابق جعلت أحقية النائب في تقديم استجواب منوطة بموافقة أغلبية المجلس وهي بدعة قال الدستور عكسها تماما بحق النائب بتقديمه للاستجواب منفردا!

ثم إذا سايرنا تلك البدعة من إدارة المجلس وأردنا فعلا أن نحكم أعضاء مجلس الأمة فيها فلماذا يسمح للحكومة التصويت على شطب الاستجواب، خصوصا أنها طرف وخصم في أمر الاستجواب وكان الأولى ممن فرض لهذه البدعة أن تشق طريقها أن ينصح بعدم تصويت الحكومة فيها لأنها بالتأكيد ستصوت على شطبها ولن يكون لها رأي معارض فيها لأنها تتوافق مع مصلحتها السياسية على الأقل، ولا يمكن التذرع بأن الوزراء هم أعضاء في المجلس وبالتالي سمح لهم بالتصويت والرد على ذلك فإن الحكومة لا تصوت على طلب طرح الثقة لأنها طرف ومن الطبيعي سترفض حجب الثقة عن وزيرها أو عدم التعاون على رئيسها فلذا لا تصوت ومن هذا المنطق لا يتعين السماح لها أن تصوت على شطب الاستجواب لأنها أيضا طرف!

القبول بالمنصب الوزاري أو رئاسة الوزراء هو قبول بالمساءلة السياسية وتجاوز المستجوب لحق الاستجواب وتعسفه لايبرر شطبه لاستجوابه مهما بلغت المبررات، وترك القرار للمجلس بعد سماع الطرفين أفضل بكثير من جلب حلول من شأنها انتهاك الدستور وتجعل من تفعيل نصوصه أمرا صعبا تحقيقه حتى على نواب الأمة!