أوباما يلقي بقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان خلف ظهره

نشر في 24-10-2013
آخر تحديث 24-10-2013 | 00:01
حدد الرئيس خلال حديثه عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خصوصاً، أربع مصالح أساسية: الدفاع عن الحلفاء ضد أي اعتداء، وضمان الوصول إلى النفط، ومهاجمة الشبكات الإرهابية التي تهدد الولايات المتحدة، ووقف أسلحة الدمار الشامل.
 واشنطن بوست إليكم أحجية باراك أوباما: لِمَ التفّ الرئيس في أقل من سنتين 180 درجة في مسألة أساسية ترتبط بالسياسة الخارجية؟

تتمحور هذه المسألة حول ما إذا كان يجب أن تشكل الديمقراطية وحقوق الإنسان أولوية أميركية، وقدم أوباما في خطابه السنوي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة جواباً واضحاً: كلا.

خلال حديثه عن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خصوصاً، حدد الرئيس أربع مصالح أساسية: الدفاع عن الحلفاء ضد أي اعتداء، وضمان الوصول إلى النفط، ومهاجمة الشبكات الإرهابية التي تهدد الولايات المتحدة، ووقف أسلحة الدمار الشامل.

ذكر أوباما أيضاً أن الولايات المتحدة تهتم بالديمقراطية، وحقوق الإنسان، والتجارة الحرة، ولكن "قلما حققنا هذه الأهداف من خلال أعمال أميركية أحادية الطرف".

صحيح أننا لم نعتد أن يرفض رئيس أميركي بهذه الصراحة سياسة تستند إلى القيم، إلا أن وجهة النظر هذه ليست غريبة، فقد اعتبرها الرئيس السابق جورج بوش الأب سياسة ملائمة.

لكن اللافت للنظر في هذه السياسة، كما أشار زميلي جاكسون ديهل، تناقضها المباشر مع عقيدة حدد أوباما أطرها في خطاب ألقاه في وزارة الخارجية الأميركية قبل 28 شهراً فقط.

عدد أوباما في هذا الخطاب لائحة بالمصالح الأساسية، غير أنه ذكر أن هذه لم تعد تحرك وحدها السياسة الأميركية، بدلاً من ذلك، أعلن أن الولايات المتحدة ستدعم الحقوق العالمية والإصلاح السياسي، لا "المصالح الثانوية".

ادعى أوباما أيضاً أن دعم الديمقراطية سيشكل "أولوية كبرى يجب أن تُترجَم بأعمال ملموسة وتُعزَّز بواسطة كل الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والاستراتيجية المتوافرة لنا".

أقر الرئيس أن هذه السياسة التي تستند إلى القيم ستكون صعبة وستصطدم بعقبات كثيرة.

لكنه أضاف: "بعد عقود من تقبّل العالم كما هو في المنطقة، أمام اليوم فرصة لنحول العالم إلى ما يجب أن يكون عليه".

إلا أن أوباما المثالي هذا اختفى في غضون سنتين. فماذا حدث؟

بعد أن وعد المسؤولون في مجلس الأمن القومي الأميركي بتقديم التوضيحات، رفضوا التعليق، ولكن إليكم أحد الأجوبة المحتملة.

عندما تعهد أوباما بإعادة توجيه السياسة الأميركية في شهر مايو عام 2011، كان الربيع العربي لا يزال في المهد ويحمل الكثير من الآمال، فقد بدا أن تونس ومصر تسيران نحو الديمقراطية، وفي ليبيا، ساهمت القوات الأميركية في الإطاحة بحاكم مستبد، أما في سورية، فكانت التظاهرات السلمية ضد دكتاتور آخر قد انطلقت لتوها.

ذكر أوباما: [سمعنا في دمشق الشاب الذي قال: "بعد الصيحة الأولى، بعد الصرخة الأولى، تشعر بالكرامة"].

لكن بشار الأسد رد بعنف، فحمل خصومه السلاح، توقع أوباما وأمل سقوط الأسد بسرعة، غير أنه رفض الدعوات من الداخل والخارج التي طالبت إدارته بالمساهمة في إنزال الهزيمة بالأسد من خلال التدريب ودعم الثوار، لا باللجوء إلى القوة الأميركية.

بحلول موعد خطاب أوباما في الأمم المتحدة، كان الجنرالات في مصر قد أطاحوا بحكومة منتخَبة، كذلك ابتُليت ليبيا بميليشيات خارجة عن السيطرة، والأسوأ من ذلك أن سورية باتت كارثة إنسانية ومعضلة كبيرة في السياسة الخارجية، مع مقتل أكثر من 100 ألف شخص واضطرار الملايين إلى ترك منازلهم. وفي شمال سورية، كانت مجموعات تابعة لتنظيم "القاعدة" تؤسس النوع ذاته من المعاقل الذي أُرغمت الولايات المتحدة على خوض حرب في أفغانستان لتدميره.

لا يُعتبر هذا وضعاً سهلاً بالنسبة إلى رئيس، تماماً كما أوضح الرئيس كلينتون في رواندا. نتيجة لذلك، صاغ أوباما عقيدة جديدة.

لم يعتبر أن التدخل في سورية غير وارد فحسب (وهذا موقف مثير للجدل، إلا أن من الممكن الدفاع عنه)، بل أكد أيضاً أن الولايات المتحدة لن تقدم على أي عمل "لمنع الفظائع الجماعية وحماية حقوق الإنسان" ما لم "يوافق المجتمع الدولي" على مشاركتها فيه، وهكذا، لم ترفض الولايات المتحدة فرض الديمقراطية في سورية فحسب، بل أبت أن تجعلها أولوية في مصر، حيث تحتل "مصالح أساسية مثل اتفاقيات كامب ديفيد ومكافحة الإرهاب" الأولوية، أو في أي مكان آخر على ما يبدو.

في عام 2011، أكد أوباما أنه يدرك تماماً عقبات الترويج للديمقراطية، إلا أنه التزم بهذه المسيرة الطويلة رغم ذلك.

أقر أوباما: "لن تكون هذه مهمة سهلة. فما من خط مستقيم لاتباعه، وترافق المصاعب غالباً الآمال الكبيرة، ولكن بُنيت الولايات المتحدة الأميركية على الإيمان بأن على الشعب أن يحكم نفسه، ولا يمكننا اليوم التردد في الوقوف بحزم إلى جانب مَن يسعون لنيل حقوقهم...".

إلا أن الآمال الكبيرة انقضت وولّى معها التزام أوباما، فقد أوضح أخيراً أن على الأمم المتحدة أن تتحمل مسؤولية أكبر، ولكن ماذا لو لم تفعل؟

يذكر أوباما: "إن كان هذا العالم الذي يودّ الناس أن يحيوا فيه، فعليهم التعبير عن ذلك ومواجهة المنطق البارد الكامن وراء المقابر الجماعية".

يبدو أوباما، في الظاهر على الأقل، مستعداً للعيش مع هذا المنطق البارد، غير أن الأميركيين يكرهون اعتبار أنفسهم أمة تنتظر "المجتمع الدولي" قبل أن تتدخل لمساعدة المحتاجين وتفادي الفظائع الجماعية، وأشك في أن يكون أوباما راضياً عن هذه الفكرة أيضاً. شكلت سورية قضية صعبة دفعته إلى تبني موقف سيئ، وقد لا يكون هذا جوابه النهائي.

* فريد هيات | Fred Hiatt

back to top