تبدو المفاوضات الأخيرة المتعلقة ببرنامج إيران النووي بين إيران والأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا التي من المفترض أن تستأنف في السابع من نوفمبر، مبشرة مقارنة بجولات سابقة، على الأقل مع تعهد الرئيس الإيراني حسن روحاني بأن يتبنى مقاربة أكثر تصالحية مقارنة بمن سبقه.

Ad

لكن يتعين على المفاوضين أن يتعاملوا مع ظروف صعبة بما في ذلك الغموض الاقتصادي في الغرب، والاضطرابات السياسية الكبيرة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ناهيك عن تاريخ طويل من انعدام الثقة والجمود. ومن أجل تعزيز فرص النجاح ينبغي عليهم الأخذ بعين الاعتبار "أفضل ممارسات" قام بها مفاوضون نوويون ناجحون في الماضي، فعلى سبيل المثال اتفاقية "التعاون النووي" بين البرازيل والأرجنتين هي مثال على التفكير المبتكر القائم على مبدأ عدم الانتشار النووي.

لسنوات عديدة وجدت كل من البرازيل والأرجنتين نفسيهما في معضلة أمنية، فكلتا الدولتين كانت متحمسة للاعتراف بها كقوة نووية، وبالفعل كان هناك دعم محلي نشط للمسألة النووية في بعض الدوائر في كلتا الحكومتين، وكانت الدولتان على وشك اكتساب أسلحة نووية، وكان من الطبيعي أن يشعر بقية العالم بالتوتر، ومن الناحية العسكرية كان من الممكن أن يتصاعد الموقف بشكل كارثي.

لكن منذ منتصف الثمانينيات انحسر التهديد الأمني بشكل كبير بفضل القيادة الاستراتيجية الذكية، والأنظمة السياسية الديمقراطية، والاعتماد الاقتصادي المتبادل، وقد ساهم كل ذلك في إحداث التغيير، بيد أن التحول من التنافس النووي إلى الشراكة النووية لعب دوراً حاسماً، علماً أن القيم والمصالح المشتركة والفهم البراغماتي بين اللاعبين الرئيسيين من علماء وصناع سياسة وعسكريين من الأمور التي سهلت ذلك.

لم يكن الأرجنتينيون والبرازيليون سذجاً في ما يتعلق بأهدافهم ومصالحهم، بل كانوا قادرين على استكشاف وتحديد سيناريو تفاوضي قدم فوائد مشتركة متبادلة.

ولا شك أن وجود وكالة دولية للطاقة الذرية فعالة وذات مصداقية، ومجلس أمن دولي متوازن ومؤثر نسبياً ساعد في جهود عدم الانتشار النووي بشكل كبير، كما أن انتهاء الحرب الباردة والديمقراطية المحلية كان ضرورياً للغاية، حيث إنها أدت إلى التزام أفضل بحكم القانون وزادت من التحكم المدني في العسكر.

وقد عززت سلسلة من المبادرات المقدمة من الأرجنتين والبرازيل، مثل تأسيس وكالة المحاسبة والتحكم بالمواد النووية سنة 1991 وانضمام الدولتين لاحقاً لاتفاقية عدم الانتشار النووي، من جهود إنهاء الأنشطة النووية العسكرية للدولتين.

فوكالة المحاسبة والتحكم بالمواد النووية- أول وكالة من نوعها تحظى باعتراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية- لعبت دوراً مهماً على وجه الخصوص؛ لأنها جعلت التفتيش الثنائي التطفلي شرعياً وعززت الحق بالتطور النووي المدني، وأوجدت ثقة متبادلة وحظيت بموافقة شعبية في كلا البلدين، كما حصلت على تقدير الدوائر الدولية.

تقوم الأرجنتين والبرازيل اليوم بتطوير مفاعل نووي متعدد الأغراض وغير عسكري معاً، وهما الآن أكثر استقلالية إلى حد بعيد في ما يتعلق بالسياسة الخارجية؛ مقارنة بوضعهما قبل أربعة عقود عندما كانتا تساويان بين الاستقلال والقدرات النووية.

 لقد أصبحت البرازيل قوة صاعدة مهمة على المسرح العالمي وتمكنت الأرجنتين من تعزيز برنامجها النووي المدني، وقامت بتحسين سياساتها الخارجية في ما يتعلق بتلك القضية.

بالطبع، لم يكن الوصول إلى تلك النقطة سهلاً بل كان الخيار الوحيد، فتكرار الوصول إلى طريق مسدود خلال الستينيات والسبعينيات من الناحية الدبلوماسية أجبر قادة الأرجنتين والبرازيل على إعادة التفكير بالمفاوضات الدولية، وقد عمل إدراكهم الأساسي أن الأعمال الملموسة تعني أكثر من النوايا الجليلة، على تشكيل تلك المحادثات بين البلدين، وبهذا المعنى فإن تاريخ الجمود في المحادثات النووية مع إيران يمكن أن يصبح حافزاً لإحراز تقدم.

إن قضية البرازيل والأرجنتين تعطي خمسة دروس مهمة للمشاركين في المفاوضات النووية المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني:

• المواقف المتطرفة مصيرها الفشل والتعاون ممكن على الدوام.

• الحلول الجزئية وحلول الخطوة خطوة يمكن أن تبني الثقة والتبادلية بشكل أكثر فعالية من الاستراتيجيات الكلية التي من المفترض أن تكون دائمة.

• الواقعية هي موضوع حيوي، فالسلوك المتسق الذي يمكن إثباته هو أكثر أهمية من التعهدات المثالية.

• المؤسسات والأحكام الدولية حاسمة، والالتزامات الأحادية أو الثنائية لتجنب أو تعليق مشاريع الأسلحة النووية يجب تشجيعها وتأمينها من خلال وسائل متعددة الأطراف.

• الهدف الاستراتيجي لجميع اللاعبين المعنيين سواء بشكل مباشر أو غير مباشر هو تقوية نظام عدم الانتشار النووي الدولي، أما غير ذلك فإن المصالح الذاتية وازدواجية المعايير والمخاطر الدولية المتزايدة والمخاوف السياسية المحلية ستشجع، إن عاجلاً أم أجلاً، على الانتشار النووي.

بوسع القوى النووية الرئيسة أن تبقى في عالم تمتلك فيه القوى الصغرى ترسانات نووية صغيرة، فبقية العالم- خصوصاً البلدان المجاورة لتلك الدول- هي التي ستعاني عواقب وجود نظام مختل وغير شرعي لمنع الانتشار النووي، ومن أجل مصلحة الجميع ينبغي على المشاركين في المحادثات الجارية بشأن برنامج إيران النووي أن يطبقوا الدروس المستقاة من الأرجنتين والبرازيل.

* خوان غابرييل توكاتليان، مدير العلوم السياسية والدراسات الدولية في جامعة "توركياتو دي تيلا" في بيونس آيريس.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»