فجر يوم جديد: {أسرار عائلية}!
هاني فوزي كاتب موهوب قدم للسينما المصرية عدداً من الأفلام التي أثارت الكثير من الجدل مثل: {حب السيما» (2004)، {فيلم هندي}(2003)، {الريس عمر حرب} (2008) و}بالألوان الطبيعية} (2009)، إضافة إلى أفلام أخرى لم تحقق النجاح المنتظر مثل: «أرض الأحلام» (1993) و»كرسي في الكلوب» (2001)، إلا أن طموحه دفعه إلى التفكير بشكل جدي في التحول إلى الإخراج بوصفه الحل الأمثل للتعبير عن أفكاره بشكل أفضل. لكن المفارقة أنه اكتفى بإخراج فيلمه الأول «أسرار عائلية»، وترك مهمة الكتابة لشاب يُدعى محمد عبد القادر اقتبس قصة حقيقية لشاب «مثلي الجنس» يبلغ من العمر 17 عاماً، يعيش أزمة نفسية وصدمة اجتماعية. لكن الفيلم فجر معركة عنيفة حالت دون عرضه التجاري، بعد اعتراض الرقابة على النسخة النهائية، ورد «فوزي» على الرفض الرقابي بأن وجه الدعوة إلى عدد محدود من النقاد والصحافيين لمشاهدة نسخة الفيلم!في ظني أن «فوزي» أراد، من وراء دعوته، أن يُشكل ما يُشبه «حائط الصد» في مواجهة الرقابة، والضغط عليها لإجبارها على التراجع عن موقفها، بدليل تأكيده أنه لن يتخلى عن المشاهد التي طالبت الرقابة بحذفها، بحجة أن الحذف يخل بمضمون العمل، وهي كلمة حق يُراد بها باطل؛ فأي مضمون ذلك الذي يختل لو أن المخرج استغنى عن مشهد مقزز يظهر فيه البطل عارياً مع صديقه في الفراش؟ وما مبرر عدم الاكتفاء بقول الشاب المريض: «بأحب شادي صاحبي في الفصل»، فيسأله الطبيب ببلاهة: «يعني عاوز تنام معاه؟». وإذا كان هناك مبرر لأن ينصح الطبيب الفتى بارتياد مواقع الجنس ليكسر الحاجز بينه وبين الجنس اللطيف، فهل كان من الضروري أن نرى على الشاشة صور البنات العاريات، ومشهداً مقتطعاً من «فيلم بورنو»؟ وهل كنا في حاجة إلى أن نتابع المشهد المقزز للأخ الأكبر وهو يعتدي على شقيقه في الفراش؟ وأي حوار منحط ذلك الذي يغضب فيه «رفيق البطل» لأن فتاه حاول الاعتذار عن لقائه الغرامي فيسأله: «ليه عندك العادة؟». فضلاً عن السباب البذيء، والاختيار غير المفهوم للقاهرة القديمة كمكان لارتكاب الفاحشة بينما المآذن في الخلفية، والمغزى من وراء قول الشاب المتدين: «معلش أنا طردتك المرة اللي فاتت لأني كنت لسه راجع من العمرة»!
خرق هاني فوزي شروط العقد غير المكتوب بين المخرج والجمهور عندما تخلى عن التلميح، الذي يحترم ذكاء المتلقي ومشاعره، ولجأ إلى التصريح الفج، الذي يؤذي الأحاسيس ويثير النفور في النفوس، وليته اكتفى بإبداء تعاطفه مع حالة مرضية شديدة التعقيد بقوله إن الأمل في شفاء المثليين كبير، أو استمر في تشخيصه الناجح للظاهرة بإرجاعها إلى فشل المؤسسة العائلية (سفر الأب وتسلط الأم وغياب الرقابة عن الأبناء) والمؤسسة التعليمية (التعامل مع الطلبة بسخرية ولامبالاة) والمؤسسة الدينية (التلويح بالعقاب الإلهي وعلامات الساعة من دون الوصول إلى لغة تفاهم وحوار). لكنه بدلاً من أن يُعري المسكوت عنه في المجتمع أساء إلى نفسه وإلى الجمهور بتقديم مشهد مقزز للبطل وهو يبصق في كوب الليمون الخاص بالمدرس كنوع من الانتقام، وأنجز عملاً أقرب إلى السهرة التلفزيونية، أو الحملات الدعائية التي تمولها وزارة الصحة للتحذير من الأمراض الوبائية. وباستثناء اختيار الوجه الجديد محمد مهران الذي جسد دور الشاب المثلي «مروان» والوجه الجديد بسنت شوقي التي أدت دور الشقيقة «أمنية»، لا يمكن القول إن فوزي قدم إضافة من أي نوع، بل ورط نفسه كثيراً عندما زعم أن «حذف أي مشاهد سيؤدي إلى تشويه الفيلم، والتأثير سلباً على سياق الأحداث التسلسلي ومضمونه، والقضية التي يطرحها»، وهي المزاعم الباطلة التي فضحتها الألفاظ القبيحة، واللقطات الدخيلة التي لا يمكن القول إنها تدخل في إطار حرية الرأي والإبداع!فشل الكاتب الموهوب هاني فوزي في أن يُصبح مخرجاً، في ظل لغة تقليدية، وإمكانات إنتاجية متواضعة، فضلاً عن موسيقى هي تنويعة على ثيمة واحدة تكررت كثيراً في موسيقى راجح داود، وبدلاً من أن يراجع فوزي نفسه ويعترف بخطئه ويُدرك أن طموحه لا يرتكن إلى أرضية صلبة، ارتمى في أحضان «فرقعة» إعلامية أساءت إليه وخصمت من رصيده، وهو ما يدعوني إلى أن أنصحه صادقاً بأن يعود إلى بيته الحقيقي كمؤلف ويترك مهنة الإخراج التي لا يجيدها ويبدو غير ملم بقواعدها، وقبل هذا أحاسيسها. كذلك أطالبه بأن يبدأ من تلقاء نفسه في حذف كل ما هو فظ وغليظ وقبيح في «أسرار عائلية» من دون أن ينجرف وراء «وهم» أنه يتعرض لمؤامرة أو خطة تُحاك في الظلام لإقصائه بعيداً عن قائمة مخرجي السينما المصرية!