بعد تدمير {داعش} تمثال الشاعر العباسي أبي تمام وسط الموصل، كتب الشاعر العراقي محمد مظلوم تعليقاً على الـ{فيسبوك}: {الدولة الإسلامية في العراق والشام} تزيل تمثال الشاعر أبي تمام في الموصل بالجرافات. ولعله كان لحظتها يتكلَّم من عمق التاريخ:

Ad

أَأُصَوِّتُ بِالدُنيا وَلَيسَت تُجيبُني

أُحاوِلُ أَن أَبقى وَكَيفَ بَقائِيا

وَما تَبـرَحُ الأَيّامُ تَحذِفُ مُدَّتي

بِعَدِّ حِسابٍ لا كَعَدِّ حِسابِيا

لِتَمحُوَ آثاري وَتُخلِقَ جِدَّتي

وَتُخلِيَ مِن رَبعي بِكُرْهٍ مَكانِيا}

وليس تمثال أبي تمام وحده ما تعرض للاغتيال في بغداد، فالمصير نفسه لحق بتمثال الموسيقي العربي الشهير عثمان الموصلي والمزار المعروف بقبر البنت في الساحل الأيمن من مدينة في الموصل، مركز محافظة نينوى، وذلك بدعوى {الحرام شرعا}، ونُبش قبر ابن الأثير وهو فيلسوف عربي سافر مع جيش السلطان صلاح الدين في القرن الثاني عشر.

ولم يكن تمثال أبي تمام الوحيد الذي تم تفجيره، فقد سبق لجماعات مسلحة تعرف بـ{جبهة النصرة}، أن أقدمت في يوليو 2013، على تفجير تمثال أخر للشاعر العباسي ذاته (أبو تمام) في درعا، جنوب سورية. كذلك قطع مسلحون رأس تمثال أبي العلاء المعري في معرة النعمان شمال سورية، فيما فجَّر مسلحون آخرون تمثال الشاعر الفراتي في دير الزور.

على أن نهب الآثار وتدميرها من تل عجاجا هو جزء من المأساة الرهيبة التي حلت بالتراث القديم في سورية نتيجة الحرب الأهلية المستمرة منذ ثلاث سنوات والتي تعصف البلاد. تدمير الآثار الآشورية لم يكن الاعتداء الأول ضد الكنوز الأثرية السورية التي ارتكبتها جماعة الدولة الإسلامية في العراق والشام. ففي يناير 2014، فجَّرت المجموعة الإسلامية المتطرفة ودمرت فسيفساء بيزنطية تعود إلى القرن السادس قرب مدينة الرقة، كما ذكرت صحيفة {الإنديبندنت}.

وأقدم مسلحو تنظيم {داعش} على تدمير معلم أثري وثقافي جديد، يتمثل في أسد أثري في مدينة الرقة، الذي كان موضوعاً في حديقة الرشيد المشهورة في المدينة. وعرض ناشطون سوريون على مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للتمثال قبل عملية الهدم وبعدها، وكتبوا تعليقات أبرزها {الرقة تذبح بصمت}.

وبحسب مصادر تاريخية فإن أسد شيران مجسّم على شكل أسد مصنوع من الحجر يعود إلى العصر الآشوري حوالي 700 عام قبل الميلاد. ويرجع الأسد إلى قرية في كوباني تسمى «شيران» مع تمثال آخر موجود في متحف حلب، وتم نقل أحد الأسدين إلى مدينة الرقة في ثمانينيات القرن الماضي، وهما ضمن مكتشفات أثرية تعود إلى العصر الآشوري أثناء عملية التنقيب التي قامت بها البعثة الفرنسية في تلك القرية بين عامي 1927 و1928، ونقلت غالبية المكتشفات إلى متحف اللوفر في العاصمة الفرنسية باريس.

أبو نواس

وفي العراق أيضاً ليست المرة الأولى التي تشن فيها الحرب على التماثيل، وليست {الداعشية} الأولى التي تطيح بالثقافة. ففي الزمن الداعشي الصدامي، وقف أحد فقهاء الدِّين، قُبيل الحرب العِراقية الإيرانية، يطلب إزالة تمثال أبي نواس، على اعتبار أنه فارسي مجوسي.

كان أبو نواس في الحرب بين الأخوين الخليفة محمد الأمين (قُتل 198 هـ)، وأمير خراسان عبد الله المأمون، مع الأول، وكان أنصاره مِن العرب بينما كان أنصار الثَّاني مِن الفرس. نعم هجا أبو نواس عرباً، وهجا موالياً أيضاً، وهو شاعر الحداثة، ومِن حقه ببغداده نصباً وذكرى! كذلك جرت محاولات، بعد أبريل 2003 استبدال اسم الشَّارع {أبو نواس} بتسمية المهدي، مع أن الأخير لم يلد ولم يغب في بغداد بل في سامراء، حسب المشهور مِن الأخبار. لكنه العناد والاستحواذ، فمثل أبي نواس ليس له جيش ولا ميليشيا تدفع عنه الأذى، بينما كم ارتقت بغداد وشاع التبغدد (التحضر) عبر شعره.

وبعد سقوط صدام، لم تسلم التماثيل والنصب التي تزين شوارع بغداد وساحاتها والتي نحتها أبرز الفنانين العراقيين من أعمال العنف المستمرة. فبالإضافة إلى تدمير التماثيل الصدامية، بدأت التوترات الطائفية والسياسية حول التماثيل، ففجرت مجموعات مسلحة تمثال الخليفة العباسي أبي جعفر المنصور الذي أزيل بالكامل في 18 أكتوبر 2005. وكان تمثال ثاني الخلفاء العباسيين (714 - 775م) يتوسط الساحة الرئيسة في حي المنصور الراقي وسط العاصمة، وكان عبارة عن قبة بارتفاع خمسة أمتار تحمل رأساً من البرونز مرتدياً عمامة بارتفاع أربعة أمتار من تصميم النحات العراقي خالد الرحال، أبرز رواد الحركة الفنية الحديثة.

ومن أبرز التماثيل التي هدمت بعد احتلال العراق عام 2003 تمثال الخليفة العباسي الثالث الواثق بالله، كذلك سرق تمثال رئيس الوزراء العراقي في العشرينيات عبد المحسن السعدون، وتعرض تمثال كهرمانة أيضاً إلى التفجير بسيارة ملغومة أدت الى تحطيم أجزاء مهمة منه، وهو عبارة عن جسم فتاة هي كهرمانة، الشخصية المشهورة في قصة {علي بابا} (إحدى قصص {الف ليلة وليلة}) واقفة وسط دائرة حاملة جرة كبيرة تصب منها الزيت على أربعين جرة تطل منها رؤوس أربعين لصاً، صممه النحات محمد غني حكمت في سبعينيات القرن الماضي.

أما تمثالا شهريار وشهرزاد في شارع أبي نواس، فقد قطعت أجزاء كبيرة منهما وأصبح من الصعب المرور في هذا الشارع بعدما انتشرت فيه أسوار خرسانية وأسلاك شائكة.