وثيقة "كويتي بلا سكن"، التي تبناها وأعدها قطاع واسع من الشباب الكويتيين وخبراء عقاريون، وتلقى انتشاراً وتفاعلاً واسعاً معها على وسائل التواصل الاجتماعي الإلكتروني، هي الوثيقة التي أعتقد أنها تعبر بصدق عن الهم الآني الذي يؤرق معظم الشباب والأسر الكويتية، وتريد حلاً فورياً لها، بجانب وضع الاستراتيجية الصحيحة لتوفير الرعاية السكنية الدائمة لاحقاً وعلى مدى زمني معقول، وهي وثيقة تحمل حلاً لمشكلة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الإسكانية وكذلك ارتفاع أسعار الأراضي.

Ad

ورغم التفاعل الشبابي الواسع مع الوثيقة فإن هناك شبه تجاهل نيابي لها، وتجاوباً محدوداً من بعض النواب الذين يعدون بأنهم ربما يتبنونها لاحقاً، في مقابل ترويج نيابي لموضوع إنجاز قانون الـ"30 ألف دينار"، المتعلق بالمواد الإنشائية الخاصة بمواد البناء لأصحاب القسائم الجديدة، وهو ما يواجهه الشباب بتهكم لأنهم على قائمة الانتظار، ولن يصل دورهم للحصول على رعاية سكنية قبل 10 إلى 15 سنة مقبلة، فما الاستفادة الحالية لحل أزمتهم بتقديم مواد بناء بدون قسيمة؟! وقطاع كبير منهم لا يستطيعون الإقدام على الزواج أو إيجاد سكن مناسب لأسرهم، بسبب غلاء قيم الايجارات الجنوني!

أعلم أن ضغوطاً هائلة ستواجه النواب الذين سيحاولون تبني تشريع لكبح جماح غلاء الإيجارات وتخفيضها، فقطاع من الناخبين سيضغط على النواب لمنع ذلك، لأنهم ممن يؤجرون جزءاً أو كل عقاراتهم ومستفيدون، إضافة إلى قدرات الضغط الهائلة للقطاع المصرفي وبصفة خاصة التمويل الإسلامي الذي يعتمد بشكل كبير على تمويل شراء القسائم في السكن الخاص، وتحويلها إلى وحدات للإيجار، وتسديد قيمة التمويل وفوائده العالية والثابتة من عائداته، وسائل الضغط تلك ومصالح بعض النواب المرتبطة بسوق العقار ستجعل من شبه المستحيل أن يتبنى مجلس الأمة هذه الوثيقة ويسعى إلى تطبيق بنودها، وكذلك أشك في موافقة الحكومة عليها.

رغم كل ذلك لا أريد أن أكون متشائماً، وأحبط "عزوم الشباب" الذين أعدوا هذه الوثيقة، وأتمنى ألا تصدق قراءتي السابقة في ما يخص تعامل مجلس الأمة والحكومة مع تلك الوثيقة، لأن عمق وامتداد مشكلة السكن وارتفاع الإيجارات الكبير يشكل أزمة كبيرة قد تؤدي، لا سمح الله، إلى غضب شعبي ممتد له تداعيات خطيرة سياسية وأمنية واجتماعية، أدركتها دول كثيرة وتعاملت مع قضية الإسكان بجدية، وتخلصت من أدوات الضغط التي يستخدمها أصحاب المصالح لوقاية أوطانها من المخاطر، ولذلك فإن على السلطتين التنفيذية والتشريعية أن تدركا تماماً أن الشباب الكويتيين الذين يعانون أهم مِن كل مَن يُتاجر بالعقار أو من يؤجر قسماً من منزله بقيمة مبالغ بها ليكون ثروات على حساب معاناة الآخرين، لذا نتمنى من رئيس مجلس الأمة مرزوق الغانم وكل من جعل مِن النواب قضية الإسكان ومعاناة الشباب منها أولوية له أن يتبنوا هذه الوثيقة، ويسرعوا لتحويل مضمونها إلى قوانين تبت فيها اللجان بصفة الاستعجال، ليتم وضعها في مقدمة جدول أعمال مجلس الأمة في الأسابيع القليلة المقبلة، حتى يوفي النواب بتعهداتهم للشباب الكويتيين الذين يشكلون أغلبية ناخبيهم، وتمثل قضية السكن الهم الأكبر والشغل الشاغل لهم.