خلفيات «رئاسية» وراء التحركات المطلبية
رسائل من بري إلى عون... وقهوجي قد يكون مستفيداً
ارتفعت في لبنان خلال الأسابيع القليلة الماضية وتيرة التحركات الشعبية الاحتجاجية على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فشهدت ساحات بيروت لاسيما منها المحيطة بمجلس النواب تظاهرات واعتصامات شاركت فيها قطاعات واسعة من شرائح المجتمع اللبناني وأبرزها معلمو المدارس وأساتذة الجامعة اللبنانية وموظفو القطاع العام ومياومو الكهرباء ومتطوعو الدفاع المدني ومالكو الأبنية والمستأجرون وغيرهم.وقد احتلت هذه التحركات صدارة الاهتمامات الشعبية في ظل ظروف أمنية واستحقاقات سياسية ودستورية ابرزها الانتخابات الرئاسية التي كان من المفترض أن تملأ المساحة الأكبر من الاهتمامات الشعبية والسياسية والإعلامية.
لكن حجم الحراك الشعبي وتشعبه أظهرا أن الانتخابات الرئاسية على أهميتها كأنها باتت في نظر اللبنانيين الرازحين تحت ثقل المشاكل الاقتصادية والمعيشية، في مراتب متدنية من الأولويات.وكما حيال كل القضايا المطروحة على الساحة اللبنانية ينقسم السياسيون في قراءتهم لخلفيات التحركات الشعبية وأهدافها. فهناك من بين السياسيين من يرى أن التحركات الشعبية جاءت في سياق طبيعي بعد تشكيل الحكومة الجديدة وعودة مجلس النواب الى الاجتماع والتشريع بعد طول انقطاع بسبب الأزمة السياسية التي كانت قائمة وحالت دون تشكيل الحكومة لأكثر من سنة. فكان من الطبيعي ان يتحرك أصحاب المطالب دفعة واحدة للضغط على مجلس النواب لإصدار التشريعات التي تناسب القطاعات المعنية بالتحركات بمعزل عن التوقيت السياسي المتمثل باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية.لكن فئة سياسية ثانية ترى أن الحراك الشعبي يأتي في جانب أساسي منه جزءا من الحملات الانتخابية غير المباشرة لبعض الناخبين والمرشحين الكبار.فاعتصامات مياومي الكهرباء الذين ينتمون في أكثريتهم الساحقة الى حركة أمل برئاسة الرئيس نبيه بري استهدفت في جانب منها تحت شعار الحقوق الوظيفية في التثبيت التيار الوطني الحر على خلفية اتهام المياومين لأمين سر تكتل التغيير والإصلاح النائب ابراهيم كنعان بالوقوف وراء اقتراح قانون غير عادل لتثبيتهم علما أن نائبين من حزب الله وحركة أمل شاركا في توقيع الاقتراح، وهو ما فسره البعض بأنه رسالة سياسية من الرئيس نبيه بري الى رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون على الرغم من التوضيحات التي صدرت عن بري في هذا الخصوص.ويرى سياسيون آخرون أن معظم التحركات الشعبية والنقابية تأتي في توقيت سياسي وأمني يسعى فيه حزب الله الى تشتيت أنظار اللبنانيين عن الأوضاع الأمنية والسياسية التي يريد التفرد بإدارتها، بدءا بالانتخابات الرئاسية ووصولا الى تدخله العسكري الى جانب النظام في سورية. وهو لذلك أوعز الى بعض الجهات السياسية والحزبية والأمنية التي ينسق معها والتي تدور في فلكه الى استدراج الطبقات العاملة والشعبية الى رفع وتيرة المطالب المعيشية لإلهاء الطبقة السياسية في لبنان بالتفاصيل الداخلية الاقتصادية والمعيشية بما يمكنه من الاستفراد بالقرارات المتعلقة بالسياسات الأمنية والخارجية والقضايا الاستراتيجية في استعادة لتجارب سابقة عاشها اللبنايون أيام الوصاية السورية عندما كان الملف الاقتصادي – الاجتماعي من مسؤولية الدولة وملف السياستين الخارجية والدفاعية بيد سورية.وعلى قاعدة الربط بين التحركات الشعبية والانتخابات الرئاسية تربط فئة ثالثة من السياسيين بين ارتفاع وتيرة الحراك الشعبي وبين حركة داعمي وصول قائد الجيش العماد جان قهوجي الى رئاسة الجمهورية. وترى هذه الفئة أن أيادي أمنية تقف وراء الحراك الشعبي بالتزامن مع الخطة الأمنية التي بدأ الجيش الللبناني بتنفيذها بعد طول انتظار في البقاع والشمال، في محاولة لتظهير فشل الطبقة السياسية التقليدية في ادارة شؤون لبنان تمهيدا لإعادة إحياء شعار "ويبقى الجيش هو الحل" وترجيح كفة قهوجي لتثبيت عرف سبق اللجوء اليه مرتين متتاليتين بانتقال قائد الجيش من مكتبه في وزارة الدفاع الى رئاسة الجمهورية خلافا لما ينص عليه الدستور بحجة الظروف الاستثنائية.