في منتصف سبعينيات القرن الماضي اجتاحت مختلف المناطق السكنية ظاهرة بناء الملاحق على الأبنية القائمة سواء كانت بيوت السكن الخاص أو العمارات السكنية متعددة الأدوار، وبتشجيع من الحكومة آنذاك لمعالجة أزمة السكن، خصوصاً للوافدين الذي تزايدت أعدادهم بشكل لافت.

Ad

هذه الملاحق كانت تبنى على الدور الأرضي المخصص لمواقف السيارات داخل حدود العمارة السكنية أو على أحد جوانب "الحوش" أو الفناء الداخلي لبيوت السكن الخاص، وعلى الرغم من أن مشروع الملاحق ساهم في حل جزئي لأزمة السكن في ذلك الوقت فإن تبعاته على المدى البعيد كانت سلبية، حيث الاختناقات المرورية داخل المناطق السكنية والضغط على خدمات البنية التحتية فيها.

وخلال فترة ما بعد التحرير هبّت موجة جديدة عرفت بالفرز، وهي عبارة عن هدم البيوت القديمة ذات المساحة الكبيرة من 750- 1000 متر مربع وتقسيمها إلى وحدتين منفصلتين كإجراء جديد وبديل لفترة الانتظار الطويلة للحصول على الرعاية السكنية الحكومية، هذه الظاهرة أيضاً لم تخلُ من مشاكل عديدة، فبالإضافة إلى الضغط المضاعف على الخدمات ارتفعت أسعار العقار ومواد البناء، وبرزت صور الفساد الإداري والمالي عبر الواسطة والرشوة لفرز القسائم غير المستوفية للشروط، وتحول الكثير من هذه البيوت إلى عمارات وشقق، بعدما كان الغرض الأساسي منها توفير الأب قسيمة لأحد أبنائه أو مجموعة منهم، ولكن بعد حصول الأبناء على سكنهم الحكومي كان يتم تأجيرها للغير، وذلك لسداد قيمة قروض البناء والتوسعة.

هذه الأيام يتكرر المشهد ولكن بطريقة مختلفة، فنظرة عابرة إلى أي منطقة سكنية تبين معالم بناء دور علوي جديد على الكثير من المنازل القائمة، حيث يقوم الآباء بتوفير سكن لأبنائهم المتزوجين هرباً من الأسعار الجنونية للشقق واستمرار الانتظار الطويل للحصول على بيت العمر، وهذا الاجتهاد بدوره سوف يؤدي إلى اختلالات مستقبلية ومنها الحاجة إلى إعادة بناء البنية التحتية للعديد من المناطق النموذجية بسبب الضغط المتزايد على الخدمات.

الحالات السابقة تبين بوضوح كيف يضطر الناس إلى التكيّف مع مشاكل السكن بسبب العجز الحكومي، وربما تقاعسها العمدي لبناء مدن جديدة أو توفير الرعاية السكنية وفق متطلبات العصر ومن منظور استراتيجي بعيد المدى، الأمر الذي كان يفترض أن تباشر به الدولة منذ أربعين سنة مضت.

طبعاً لا يمكن أن نلوم الناس على هذه الاجتهادات بسبب الحاجة الماسة إلى السكن، ويبدو أن هذه البدائل قد استنفدت تماماً، فلم يتركوا بناءً أفقياً أو عمودياً وأخيراً علوياً إلا غطوا مساحاته بالكامل ومع ذلك لم تحل مشكلة الإسكان!

وإذا أخذنا مبدأ الحسابات الرقمية نكتشف حجم الغباء السياسي في مفهوم الرعاية السكنية، فما صرف على تحديث البنية التحتية وتوسعتها لجميع مناطق الكويت القائمة على مدى العقود الخمسة الماضية بسبب الملاحق والفرز وبناء الطوابق الإضافية، وما سوف تنفقه الدولة رغماً عنها في المستقبل على البنى التحتية من جديد، كان كفيلاً بإنشاء مدن أنيقة وجميلة وشارحة للنفوس، بدلاً من الدفع باتجاه تكديس الناس في علب السردين!