عندما تعلن الولايات المتحدة رفْضَها، مجدداً، مشاركة بشار الأسد في عملية سياسية بعد مؤتمر "جنيف2"، الذي من المفترض أن ينعقد في الثاني والعشرين من هذا الشهر، وعندما تقول المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر ساكي: "إن موقف أميركا لم يتغير، وهو أن ديكتاتوراً وحشياً قتل عشرات الألوف من أبناء شعبه شخص لا نرى له أيّ دورٍ في مستقبل سورية"، ثم عندما يواصل الروس إصرارهم على مواقفهم الاستفزازية ويتمسكون بمعادلة: إما الإرهاب وإمَّا هذا الرئيس السوري، فهذا يعني أنَّ هذا المؤتمر لن ينعقد لا في هذا الموعد المحدد المشار إليه، ولا في أي موعد لاحق.

Ad

وكذلك عندما ترفض إيران العرض الأميركي السَّخي وتصر إما أنْ يكون حضورها هذا المؤتمر بصيغة ومستوى الأربع وثلاثين دولة الأخرى، وإلا فلا ضرورة لهذا الحضور، فهذا يعني أيضاً أن "جنيف2" لن يعقد، ولاسيما أن الروس يصرون على حضور الإيرانيين حضوراً كاملاً، وأن نظام بشار الأسد لن يحضر مادام أولياء أمره لن يحضروا.

لقد نص قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بنزع الأسلحة الكيماوية السورية، الذي صوتت عليه كل الدول الدائمة العضوية، ومن بينها روسيا الاتحادية والصين الشعبية، على التأييد التام لبيان "جنيف1" الصادر في يونيو 2012 الذي حدد عدداً من الخطوات الرئيسية لحل أزمة سورية، ومن بينها "إنشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة"، ومعنى هذا أن مهمة "جنيف2" تقتصر على السعي إلى التوصل إلى اتفاق بين ممثلي المعارضة وممثلي النظام على تشكيل حكومة مؤقتة تمهد لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية يقول فيها الشعب السوري رأيه ويختار النظام الذي من أجله قام بهذه الثورة المُكْلفة وقدم كل هذه التضحيات التي قدمها.

وهكذا، فإنَّ هناك مسافة شاسعة بين ما يريده الروس، الذين عطلوا منذ بداية الأزمة في 2011 أربعة قرارات دولية والذين في حقيقة الأمر يواصلون الإصرار على بقاء هذا النظام القاتل، ولكن بإضافة بعض الأصباغ الديكورية، وبين ما يريده الأميركيون الذين بإطلاق المتحدثة باسم خارجيتهم هذا التصريح الآنف الذكر قطعوا الشك باليقين، وقد بدَّدوا الضبابية التي أحاطت بمواقفهم في الفترة الأخيرة.

لقد بات واضحاً مؤكداً أن الروس غير معنيين لا بجنيف الأولى ولا بجنيف الثانية، وأنهم غير معنيين بما صوتوا عليه في مجلس الأمن الدولي الآنف الذكر، بأن مهمة "جنيف2" الوحيدة هي "إنشاء هيئة حكم انتقالي بصلاحيات كاملة"... تمهيداً لإجراء انتخابات حرة وديمقراطية يختار الشعب السوري خلالها الحكومة التي يريدها، وهذا يعني خروج بشار الأسد من الحياة السياسية السورية بعد هذا المؤتمر مباشرة، وانطلاقاً من أن المتحدثة باسم الخارجية الأميركية جنيفر ساكي قد حسمت هذا الأمر، وقالت بكل وضوح وصراحة: "إن موقف الولايات المتحدة لم يتغير وهو إنَّ ديكتاتوراً وحشياً قتل عشرات الألوف من أبناء شعبه هو شخص لا نرى له أي دورٍ في مستقبل سورية".

ولذلك، فأغلب الظن أن "جنيف2" لن يعقد إذا بقي الأميركيون يصرون على هذا الموقف المشار إليه، وإنْ هم لم يفاجئوا العالم بموقف آخر كما بقوا يفعلون منذ بداية هذه الأزمة التي اقترب عمرها من الثلاثة أعوام... فالحقيقة أن الولايات المتحدة في عهد هذه الإدارة المرتبكة الضعيفة التي سلَّمت قرار أميركا لسيرغي لافروف، قد فقدت مصداقيتها لدى أصدقائها في هذه المنطقة الحساسة، ولهذا فمن غير المستبعد أن تتخلى إدارة أوباما عن هذا الموقف الأخير، وأن تعود إلى "بيت الطاعة" الروسي، وأن توافق على انعقاد هذا المؤتمر على أرضية المواقف الروسية... وبأي ثمن... أو بلا أيِّ ثمن!