"موسم صيد الزنجور" رواية للكاتب المغربي إسماعيل غزالي، وهي من روايات القائمة الطويلة لجائزة البوكر العربية لهذا العام، اشتريتها بسبب غرابة اسمها إضافة الى وصولها للبوكر. وعندما بدأت في القراءة انتابتني الحيرة هل أكملها أم أتخلى عنها؟!
ولأنه ليس من عادتي ترك كتاب في المنتصف، هذا من جهة، ومن جهة أخرى كان لرأي الناقد الصديق أبو شعيب الساوري دور في تكملتها، الرواية أعجبته حتى انه أنهاها في ثلاثة أيام، هذا الرأي الذي أحترمه دفعني الى تكملتها بالرغم من الملل الذي أصابني منها، لكني أردت معرفة نهايتها، مما دفعني للتساؤل ما المرجو من قراءتنا للروايات أو من القراءة بشكل عام؟الجواب هو الحصول على متعة ومعرفة فكرية أو روحية أو الاثنين معا ، وتأتي المتعة أولا ثم الاكتساب المعرفي، وإذا لم تأتنا القراءة بهما، فما أهمية القراءة في هذه الحال؟رواية موسم صيد الزنجور تنطوي تحت مسمى روايات التشويق أو الأكشن الفنتازي، وإن كنت لم أجد فيها هذا التشويق الجاذب لقراءتها، وربما تكون كما يقول الإنكليز "ليست بكوب شايي" أكيد لها قراءها الذين يهوون هذا النوع من الروايات الفانتازية القائمة على خيال غير مقنع.أظن أن آفة هذا العصر آتية من التقليد الذي وقع فيه كثير من الكتاب العرب وغير العرب للكاتب الياباني الشهير هاروكي موراكامي الذي يكتب الرواية الفانتازية الآتية من تاريخ الفلسفة اليابانية الممزوجة بخيال مؤلفها ورؤيته المتولدة من عمق تجربته الروحية في فهمها وهضمها ومعرفة معالجتها الفنية والجمالية، لكن المقلدين له ساروا في طريق فانتازيا تقود إلى طريق اللامعنى، فكل الأحداث والشخصيات تدخل في تركيبة مغامرات عجائبية ملفقة تقود إلى طريق مسدود، وحتما هذه الموضة ستنتهي، ووقتها سيسقط هذا الشكل الكتابي، ويبقى ما هو أصلي منها، مثل روايات موراكامي ورواية "حياة باي" ليان مارتل كمثال على ذلك، التي يعايش فيها الفتى المراهق نمرا ينط في قاربه حين تغرق السفينة التي تقله مع أهله والحيوانات التي كانت في الحديقة التي يمتلكها والده وباعها لصاحب سيرك في أميركا، لكن حادث الغرق في المحيط بلعهم كلهم عدا الولد الذي وجد نفسه مع النمر في قارب تائه في المحيط، في هذه الرواية الرائعة يختلط خيال المراهق الجائع والمحروق من الشمس المحموم بهذيانه العقلي بواقع حادث الغرق الحقيقي للسفينة التي كانت تقلهم وحياته مع النمر قد تكون حقيقية وقد لا تكون إلا هذيان طفل مذعور يصارع الحمى التي اصابته وكأنها نمر من نمور السفينة الغارقة، هذي هي الفانتازيا الرائعة المركبة تركيبا مبنيا على خيال مريض لكنه آت من واقع يثبتها في عقل القارئ بمتعة هائلة لن ينساها.وهناك الفنتازيا في مستواها الأعلى الذي نجده في رواية "الطوف الحجري" لسراماجو هذه الرواية رغم ما تبدو عليه من أحداث غير واقعية فإنها هي الواقعية السحرية، لأنها في الحقيقة آتية من واقع لكنه من شدة غرابته يبدو كأنه غير واقعي وهذي هي قمة البراعة في كتابة روايات تنتهج هذا الشكل الكتابي، فهي تبدأ حين تخط امرأة خطا بعصاها يحدث شقا وصدعا في جانب من سطح الكرة الأرضية التي يعيشون عليها لتتوالى الأحداث المذهلة في صيرورتها الساحرة التي تمسك في لب القارئ من روعتها حتى تصل إلى الصدع الكامل والتوهان في المصير، هذه الرواية لا تترك فرصة للقارئ كي يلتقط أنفاسه من سطوة السرد الفني المحكم في بناء فكرته ومن قوة جمالياته الفنية والأدبية، فهي متولدة من عظمة فكر فلسفي رؤيوي، وما الألعاب الفنية التي يمارسها إلا أدوات هدفها توصيل المعنى أو تعميقه في دلالات متشعبة ومتعددة في تأويلاتها ومعناها، حتى انها متجاوزة زمنها ومكانها، ولا يمكن مقارنتها مع محاولات تقليدها، فليست الكتابة هي خيالات وألعاب شكلية تقود في النهاية إلى سكة سد لا يستطيع الكاتب الخروج منها إلا بافتعال نهاية لا طعم لها، أو يتركها مفتوحة لأنه عجز عن إنهائها فلا توجد نهاية لغرائبيات كتبت من دون أن يكون لدى الكاتب رؤية لها.
توابل
موسم صيد الزنجور (1)
14-07-2014