الرحلة داخل العقول المبدعة تمنحك بُعداً آخر. فالإبداع لا يأتي بالحظ، قد تساعد بعض الفرص، لكن الحظ لا يمكنه أن يصنع مساراً أو مجالاً أو فرعاً إبداعياً بتاتاً.

Ad

 قراءة السير الذاتية للمبدعين، فيها شحذٌ للهمم، وإطلاق لعنانِ التجربة ووقود التحدي والإصرار. مذكرات عباقرة السياسة والأدب، والشعر، والعلم، والفكر، والرواية تمنحك البهجة وتعيد لعروقك دماء الحياة.

 لو تأملنا كتاب: "لصوص النار"، لرأينا القصص العجيبة للإصرار والتحدي من أدباء وكُتاب أبدعوا في فنهم. هذا الكتاب عبارة عن حواراتٍ مع مجموعة من الكُتاب والمبدعين من أنحاء العالم أجرتها جمانة حداد، التي تتقن سبع لغاتٍ، فحاورت كل مبدع  بلغته فجاء الكتاب نفيساً في موضوعه ومضمونه.

 الكتاب بكل ما تضمنه من جمل ذكية، وشذراتٍ هائلة، ووميض من الرؤية للوجود والإنسان، والإبداع والفن، والروحانية والعلم، كل ذلك اختلط في خلاصة تلك التجربة. لنقرأ عن حياة بورخيس أو ألبير كامو، أو المبدعة الفريدة إيلينيك، أو ساراماغو أو هوبزباوم الذي ترجمت مذكراته مؤخراً بعنوان: "عصر مثير"، وقبل ذلك كتاب نيتشه "هذا هو الإنسان"، الذي جعله مساراً لحياته ويومياته وذكرياته من أجل صعود القمة في المجال الذي يبدع فيه. الإبداع في كل شيء لا يأتي من دون الغرق في سير المبدعين، حتى تعطيك جزءاً منه.

 أسعد بلقاء الشباب دائماً وأحب أن أستمع إلى إيجابيتهم.  يقول بعضهم مباشرةً أريد أن أصبح مُذيعاً...كاتباً...صحافياً. هذا طموح رائع ومشروع، لكن الرحلة ليست سهلة، هناك إرث كبير يجب أن يؤسس له، والإرث يبدأ بالاهتمام بالمجال الذي تريد حتى تستطيع أن تكون بارزاً فيه. من يريد أن يكون فناناً هوليوودياً ونجماً، عليه أن يكون كومبارس أولاً، البدء من الصفر مهم حتى يستوعب الإنسان هوايته والمجال الذي قرر أن يتخصص فيه ويخوض غماره.

حين طبع الفيلسوف الألماني نيتشه كتابه: "هكذا تكلم زرادشت"، لم يبع حتى عشر نسخ، لكنه أصر على الاستمرار في طباعة الأجزاء الأربعة، حتى صار الكتاب من ضمن أهم الكتب التي طُبعت على مر التاريخ، ولو أنه يئس وسلّم بالفشل وأحرق كتبه كما فعل غيره، لما وصل إلى تلك القمة التي تبوأها في مجال الشعر، والفلسفة، واللغة، والأدب.

 تحتاج إلى صمت نملة وجهد جيش وغرام أبدي بمجالك، حتى تصل إلى بعض طموحك. وأنت قادر على ذلك، أقولها لكل شاب أو شابة.