بعد صدور أحكام البراءة النهائية في العشرات من القضايا الجنائية التي أقامتها وزارة الداخلية بحق العديد من الشباب أو النواب السابقين المتهمين بالتجمهر أو حتى مقاومة رجال الأمن، على خلفية الأحداث التي جرت في البلاد عقب مرسوم الصوت الواحد، يجب على جهاز التفتيش والرقابة، التابع لوزارة الداخلية، قراءة تلك الأحكام القضائية، ومحاسبة المسؤولين عنها ممن أدلوا بشهادات إما ناقصة وإما متناقضة، والتي لم تكن تهدف إلى ثبوت الجريمة الواقعة من الشباب إن صحت، وإنما إلى تلفيق التهم بحقهم وإشغالهم بقضايا جنائية لا أكثر!

Ad

حق التقاضي، وإن كان مكفولا حتى للجهات الرسمية في الدولة، ومن بينها وزارة الداخلية ممثلة في قياداتها أو المهيمنين على القرار الأمني فيها، إلا أن تقديم الشكاوى بحق الشباب لإشغالهم بها، وتقديم روايات متناقضة فيها من قبل رجال الأمن المبلغين أو روايات ناقصة، وتعلم الإدارة العامة التحقيقات، التابعة أيضا لوزارة الداخلية، عدم اكتمالها كجرائم، هو بحد ذاته تعسف في استخدام حق التقاضي، وتعمد غير مبرر هدفه إرهاق العدالة بالمزيد من القضايا بعد إرهاق الشباب والنواب السابقين بها!

إشغال القضاء والأفراد بقضايا معلبة تفتقد الأساس القانوني، بعد أن غلفت بشهادات متضاربة من قبل رجال الأمن المبلغين، أمر يعيب الجهد الذي تبذله الإدارة العامة للتحقيقات من إحالتها للكم الكبير من القضايا الجنائية بحق عدد من الشباب، وهي التي تملك الطاقات القانونية، بل ويعيبها أكثر بعد أن أصدرت بحق العديد منهم إجراءات احترازية كأوامر منع السفر كنوع من الضغط عليهم رغم أنهم مواطنون كويتيون ولا يخشى هربهم!

لا يفهم من الاستنفار الأمني الذي أبدته وزارة الداخلية تجاه الشباب والنواب السابقين، بعد تسجيل العديد من القضايا الجنائية بحقهم، وإن كانت تفتقد الأساس القانوني، إلا الرغبة في استغلال ورقة المحاكم للضغط عليهم، وهي ورقة لا يمكن الرهان عليها كثيرا، لأن القضاء لا يعرف إلا الأدلة والبراهين، ولا يعي للتوجس والاحتياطات الأمنية أي قيمة!

اليوم وبعد صدور أحكام البراءة لصالح العشرات من الشباب والنواب السابقين تثار جملة من التساؤلات المهمة التي تتطلب إجابة المسؤولين في وزارة الداخلية عليها، وهي من يعوض الشباب أو النواب السابقين عن واقعة إشغالهم بقضايا جنائية مفتقدة الأساس القانوني، وبعضهم صدرت بحقه أوامر بمنع السفر بعد أن أصدرت المحاكم لصالحهم أحكاما بالبراءة؟ ومن يعوضهم عن الأضرار المادية لتكبدهم مصاريف وأتعاب المحاماة، علاوة على الأضرار النفسية بإشغالهم بقضايا لا تجد أي صدى قانوني لها؟!

المطلوب من وزارة الداخلية، ممثلة في جهاز الرقابة والتفتيش، قراءة الأحكام القضائية بشكل جيد، وبيان الأسباب التي انتهت فيها المحاكم إلى عدم اطمئنانها لأقوال المبلغين من رجال الأمن، أو لتناقض أقوالهم أو لعدم سلامتها، والعمل على محاسبتهم إداريا، وتزويد الإدارة العامة للتحقيقات بصور من تلك الأحكام، حتى تعي سلامة قراراتها بالعديد من القضايا التي كان يفترض أن يكون محلها الحفظ بأدراجها لا إشغال القضاء بها!