استعرضت في مقالي الأحد الماضي بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة في سياق ترشح السيسي لرئاسة مصر والنتيجتين اللتين انتهى إليهما، وقلت إنه لم تكن هناك ضرورة لهذا البيان لأنه أعطى جماعة "الإخوان" ما يعزز اتهامها لثورة 30 يونيو بأنها انقلاب عسكري، ولم أكتم خشيتي من أن يكون هذا البيان سابقة خطيرة في كل سياق رئاسي، والواقع أن الانقسام حول ترشح السيسي لرئاسة مصر، زاد بعد هذا البيان حتى بين محبيه أنفسهم، فالأغلبية العظمى من الشعب التي توسد السيسي قلوبها، بين من يؤيد لترشحه، ومن يطالب ببقائه في منصبه، ولكل توجهاته ورؤاه التي لا تختلف في حب هذا الرجل.

Ad

بقاء الرمز والبطل في موقعه

فإن من يؤيد بقاء السيسي في منصبه وزيراً للدفاع، يرى فيه الرمز والبطل، الذي يجب أن يبقى في موقعه حماية للثورة والشعب، ودفاعاً عن وطن يتهدده إرهاب واحتلال من الداخل، فضلاً عن القوى الخارجية التي تتربص به للتدخل، باسم حماية الديمقراطية والشرعية، بعد أن سقط قناع حماية الأقليات عن وجوههم، عندما توحد الشعب المصري بأقباطه ومسلميه في 30 يونيو، ووقعت هذه القوى موقف المتفرج من حرق الكنائس والعدوان على الأقباط.

وهذا الجانب من محبيه يخشون على عبدالفتاح السيسي، أن يفقدوا فيه الرمز والبطل إذا جرفته السياسة ودهاليزها، وغاص في وحلها، في فترة بالغة التعقيد، وحبلى بالتحديات، والرجل ليس في يده عصا موسى، أو عصا مرسي (عصا المئة يوم) ليحقق المعجزات، وأمامه قضايا شائكة، قضية الأمن، وقضية الإرهاب الذي يمارَس بضراوة لتهديد الأمن وزعزعة الاستقرار، وقضايا التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان، والنهوض بالاقتصاد وإعادة تشغيل المصانع التي أغلقت أبوابها وشردت العمال... إلخ.

القوي الأمين

أما الجانب الآخر من المواطنين الذين توسد السيسي قلوبهم فهم يرون فيه القوي الأمين، يقول المولى عز وجل "إن خير من استأجرت القوي الأمين".

فهو في موقعه، رئيساً للمخابرات العسكرية، قبل حمله حقيبة وزارة الدفاع، ووزيراً للدفاع في فترة كانت الدولة فيها على وشك الانهيار والمشاكل تستفحل يوماً بعد يوم، يعلم المسؤوليات الجسام التي تقع على عاتق الرئيس القادم، ويعلم أيضا أنه سوف يكون مسؤولاً عن كل خطأ.

وقد خبرت فيه الجماهير في ثورة 30 يونيو صفات القيادة من كتمان عندما وجه إنذاره إلى كل القوى السياسية، قبل اندلاع الثورة بأيام، فلم يعرف أحد ما هو فاعل، هل سيحمي شرعية حاكم أسقطتها عنه الجماهير التي وقعت بالملايين على استمارات "تمرد"، أم سيحمي هذه الملايين في مطلبها المشروع، برحيل نظام أساء الحكم وأساء الإدارة؟ وأحسن السيسي التوقيت في القرار السياسي الذي اتخذه بالوقوف مع الشعب في الثالث من يوليو، ليعلن توافق القوى السياسية على خارطة الطريق.

وعرف عنه الناس في هذه اللحظة الكياسة والفطنة والاقتدار وحسن التصرف، والشجاعة في اتخاذ القرار، وأنه كان حريصاً على التشاور مع شعبه، عندما طالب الشعب بالخروج في 26 يوليو ليمنحه تفويضاً بالحرب على الإرهاب.

وهو رجل لم تشب نزاهته وأمانته طيلة الفترة التي قضاها في الوظائف التي اضطلع بها شائبة.

وهم يراهنون أيضا على أن الرئيس السيسي سوف يستعين بإمكانات القوات المسلحة البشرية والاقتصادية للنهوض بالمرافق العامة، وحل مشاكل العشوائيات وأولاد الشوارع، وأن الجيش أثبت قدرته على ذلك في أكثر من مشكلة واجهت البلاد.

الخلفية العسكرية

ولكن هناك فريق يراهن على أنه لن يستطيع أن يخرج من عباءة الجيش، وأن في اختياره رئيساً للبلاد، اختياراً لحكم عسكري، لن يساعد البلاد على تحول ديمقراطي وسوف يعيد حكم مبارك بآلياته البوليسية، إن من يراهنون على ذلك بسبب خلفية السيسي العسكرية ينسون أن في التاريخ أمثلة لقادة عظماء نهضوا بشعوبهم وقادوا أممهم.

فهل يخرج المشير السيسي من عباءة ما أطلق أو يطلق عليه "حكم العسكر"؟ ذلك ما سوف نجيب عنه في مقال قادم إن كان للعمر بقية.