أحدثت منى الشمري بمجموعتها القصصية الأولى {يسقط المطر... تموت الأميرة} مفاجأة في الوسط الثقافي الكويتي، حيث اكتسبت هذه المجموعة صدىً طيباً لم يكن متوقعاً، فالمجموعة كانت من المتانة بمكان أن تضع اسمها على سلم أفضل المجموعات القصصية التي صدرت في الألفية الجديدة رغم أن هذا كتابها الأول.

Ad

صدرت هذه المجموعة  عام 2012 بقطع متوسط، وبعدد صفحات لا تتجاوز 79 صفحة، وعدد القصص 13 قصة، الصياغة كانت متميزة  وحبكة تدفعك إلى الاستمرار في القراءة حتى النهاية، وقد صدرت المجموعة عن الدار العربية للعلوم في بيروت.

احتفاء

السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان، لماذا حظيت المجموعة بأكبر اهتمام وإعجاب من صحافتنا المحلية ومن المثقفين أيضاً، بل وأقيمت لها الندوات وحوارات مع القراء، الجواب ببساطة هو أنها تستحق ذلك عن جدارة ليس لأنها كتبت بقلم صحافية لها تجربتها أو لأنها تقدم دلالات لفظية جزلة. ذلك الاستحقاق مرجعه إلى إنها اقتحمت عالماً جديداً على الإبداع الكويتي، فالكاتبة تناولت وللمرة الأولى أمكنة  لم يتعرض لها أحد على ما نعتقد في الرواية أو حتى في القصة، ومن تلك الأمكنة قدمت شخوصاً. السؤال: ما هي تلك الأمكنة التي نتكلم عنها؟

كان الاحتفاء كبيراً ومتوقعاً، حيث نشرت خبر صدور المجموعة وكالة الأنباء الكويتية ودونت على صفحتها عن الكتاب: قصص مقتبسة من رحم هموم حياتنا اليومية، تروي حياة بشر بكم متاعبهم الصغيرة والكبيرة ممن سكنوا دائرة الكاتبة.

قدم للمجموعة الأستاذ طالب الرفاعي بقوله في آخر الكتاب: منى الشمري تؤكد في مجموعتها أنها قاصة متمكنة من أدواتها قادرة على كتابة قصص قصيرة تعلق بذاكرة القارئ، راسمة معاناة ومحنة أناس بسطاء. وكتبت الروائية بثينة العيسى في جريدة {آراء}: منى الشمري هادئة لا تكاد تسمع صوتها الذي يشبه بحة ناي، إلا أنها تتحول إلى حالة أخرى حينما تواجه الورقة والقلم، أو الكيبورد بلغة العصر. أما الكاتب بسام المسلم فيرى في مقال نشره بالقبس... أن كتاب منى يأتي وكأنه يتصدى لحفظ ذاكرة الإنسان والمكان، متخذاً من منطقة الفحيحيل ميدان السرد.

وفي جريدة «الرأي» كتب الأستاذ علي العنزي: منى الشمري في مجموعتها الجديدة تقدم لقرائها مجموعة الأقاصيص التي تستعيد نشوة الزمان الجميل.

سماء الجنوب

 

للمرة الأولى كاتبة كويتية لا تتحدث عن أمكنة في الكويت القديمة، جبلة وشرق والمرقاب، وإنما غاصت في عمق مساحات تعرفها عن قرب وتربت على ترابها، هي منطقة الفحيحيل وهي جنوب مدينة الكويت، هل تناول كاتب هذا المكان بعمق كهذا سابقاً؟ لا أعتقد. منى الشمري قدمت منطقة الفحيحيل والشعيبة وجبل واره، وشوارع يجهلها من لا يعرف تلك المساحات التي تعج بالناس مواطنين ومقيمين أجانب يعرفونها سكة سكة وشارع شارع. هنا نأتي إلى جانب من السرد كما عزفت منى في فصل «السير حثيثا إلى أمس» كتبت وهي تعود بذاكرتها إلى الماضي: «يشعل أبي ثقاباً وراء ثقاب في عتمة الذاكرة لينير لي هوامش بيضاء أو صورة باهتة، حيت يتثاءب البحر فيبتلعنا الموج، ويغسل شعري من حناء البارحة».

ولأن اختيار عنوان كل قصة هو فن بحد ذاته، وليس كل كاتب يتقنه حيث يتيه العنوان لدى البعض ليطمس من عنوان الكتاب أو حتى يكشف ملامح من مضامين القصص، لكن منى أجادت اختيار عنوان المجموعة بامتياز بل اختيار جميع عناوين القصص، حتى إن كل عنوان بإمكانه احتلال عنوان آخر للكتاب، ومن العناوين: تجلو أثارها، ما لم تره عين الصقر، بنت من عجين، نمش يختفي وصفرة تتمدد... وهكذا.

تنبش ملامح القصص آهات المتعبين بين جدران تعجز أن تبوح، لكن منى حاولت في «قصة المطر أن تستنطق المتعبين حيث جدران آيلة إلى السقوط، وفقر ومرض يلازم «حياة» حيث صدمة كبرى لمشهد زميلة المدرسة. وفي قصة «الجنة والنار» يحاصرك الألم وأنت تتابع حالة فاطمة ووالدها الإيراني  وأيام تأتي بخبر صاعق لا يترك للقارئ  حتى فرص للبكاء وتتسأل: هل مكن أن يحدث هذا؟ وفي «نسيج بدوي» تشعر بصدمة الحضارة بين البدوي وهو يقف خلف سياح حديدي يفصله عن جولي بعيونها الزرقاء.

وفي «نمش يختفي» ترى سعاد وقد تغيرت بها الأحوال. حتى إنها تخرج من دائرتها إلى دائرة أكبر، ولا تعترف بأنها كانت هناك، وفي قصة جبريل نرى هجرة التركي جبريل نحو سراب لا نهاية له، وفي قصة أخرى نلمح معاناة فلسطيني وهكذا. إحدى أجمل القصص قصة جبل واره حيث تعيد الكاتبة إحياء ذلك المكان الصامت في الصحراء، وقصة «كحل أسود»  تنقلك إلى معاناة لم تتوقعها طيبة عند زواجها من ناصر ونهايات لم يحسب لها حساب.

ذكرى

إذا كان شاعرنا الرائع فايق عبدالجليل، المبدع الشهيد رحمه الله صور في ديوانه الأول والذي صدر في بداية الستينيات «وسمية وسنابل الطفولة» أزقة الكويت القديمة وبيوتها الطينية في حيث كتب: {يا ناس لا تهدمون السكة والبيت القديم... يا يبه بيتنا حلو نحبه مديم... حرام الطين يصير مرمر... حرام الذكرى تحت الهيب تتكسر..}. فأن منى الشمرى راحت تصور الأماكن القديمة وأزقة وشوارع الفحيحيل والبدوية التي اختفت من الخارطة وابتلعها العمران، وشارع سنان، وجبل وارة، وشارع مكة،  وشارع الدبوس، وسوق مرزوق... حيث تمكنت من أن تعيد لبعضها الحياة وإن كانت الحياة تنبض فيها، ولكن بوجه حديث يطمس سكون الماضي وحميميته.

منى صورت المتعبين من فئات شتى من جنسيات مختلفة يبحثون عن الرزق والأمن لتكون الأرض مساحة حب لهم، لكن ملامح أوطانهم معلقة في الذاكرة لا يعرفون متى يغادرون... فتذكر أبو غانم البدون وصاحب التنكر الفلسطيني والمعلمة الفلسطينية والخطاط التركي والمصففة الفلبينية والحلاق الباكستاني والمهندس الإيراني والحداد الإيراني والمُجبر عبدالعال الكويتي، شخوص بألوان الطيف في حياة متحركة.

ولنا رأي ونقاط قد لا تكون سلبية إلا أنها يجب أن تُدون، من الملاحظ التطويل في الفقرات، التي يفترض أن تكون أقصر بعض الشيء كي يلتقط القارئ أنفاسه. الأمر الآخر، شخصياً لا أعتبر هذا الكتاب مجموعة قصصية، أنما  رواية مكتملة الشروط والأركان، ولو كتب على الغلاف رواية لكان أفضل، لأن أجواء ما كتب هي أجواء رواية حيث تتحرك عين الراوي  في مكان واحد وهو الفحيحيل، وتقدم لك شواهد إنسانية بزمن واحد ومكان واحد. فعلاً هي رواية تفوقت على نفسها، ولكن صدورها بمجموعة قصصية هو نجاح بامتياز، مع انتظار إبداع جديد من الكاتبة يضاف إلى مسيرة الإبداع الكويتي ويجد الأجواء فيه.