قتل الكتب والخيال!

نشر في 31-10-2013 | 00:02
آخر تحديث 31-10-2013 | 00:02
لم يعد الكتاب الورقي يقوى على صفعات كثيرة ما انفكت تصيبه، بدءاً من ابتعاد جليسه عنه حتى تحوّله في زمن دكتاتورية التلاقح الإلكتروني والخلوي إلى مجرد عنوان واسم كاتب تتناقله الشاشات فإما ينقر أصحابها {لايكاً} أو لا يرونه أساساً. وإضافة إلى رواج النشر العنكبوتي العشوائي والكارثي عبر {المكتبات} الفيسبوكية، هنا نوع آخر من الابتكارات ربما ينعي الكتابة وأولادها.
{شاهد 200 قصة ورواية وحدث في 35 ثانية فقط}، آخر ابتكارات شركة «H-57 للتصميم والإعلان}، حيث تكسر السرعة في القراءة الأرقام القياسية، ويصير الكتاب {ضوئياً}، وتسابق المطالعة الزمن.

فكرة جديدة غريبة و{مرحة} روَّجت لها الشركة، أمَّا نعي الكتب فلا يعوزه إعلان ولا بيان. فطوفان الإلكترونيات يجعل كل شيء في دائرة موت الزمن أو زواله، بل اندثار البطء وانبثاق زمن بلا متعة أو بلا تفاصيل، حيث تبقى من الأخبار عناوينها ومن الكتب فكرتها. ربما هي ثقافة الصورة بشكل أو بآخر.

في البداية، كانت كتابة الشعر عبر الهاتف أشبه بنكتة، وسرعان ما أصبحت روتيناً عادياً، وتحوّّل الجميع عبر الفيسبوك إلى شعراء، حتى شَعَر الشعراء التقليديون بالاختناق وتوقف كثيرون منهم عن طبع كتبهم.

كذلك لم تعد لمسؤولي الصفحات الثقافية سلطة على النصوص ولا على كاتبيها في زمن إمبراطورية الـ{لايك}. أكثر من ذلك، بتنا نقرأ عن رواية مكتوبة عبر {هاتف ذكي} (ببطارية غبية طبعاً)، كأن كل شيء يصبّ في إطار الدعابات.

واجتازت الأمور مسافات أبعد، حتى لم تعد الكتابة كفعل معرفة وإدراك في عرف بعضهم تعني شيئاً.

إلى الموت

نسخة الكتاب {بطل العالم في السرعة} الإلكترونية صدرت متضمنةً مجموعة صور تعبيرية، يحتوي كل منها على مُلخص لأحداث قصة أو رواية عالمية كلاسيكية، أبرزها {فرانكشتاين} لماري شيلي، {المسخ} لفرانز كافكا و{موبي ديك} لهرمان ميلفيل، فضلاً عن «الأوديسة» لهوميروس، «روبنسون كروزو{ لدانيال ديفو{، «روميو وجولييت» لشكسبير و{مرتفعات ويذيرنغ» لإيميلي برونتي. ربما يساهم هذا الابتكار في ترويج هذه الأعمال، ولكنه بلا أدنى شك يشارك برأسمال المال الأكبر في سوقها إلى الموت، وذلك من خلال اختصارها ببعض أشكال ورموز.

وصفت صحيفة «الهافنغتون بوست» الكِتاب بأنه {أمر مثير للمرح}، إنما نحن أمام مرح سريع الزوال، يخفت خلال دقائق وهو أقرب إلى النهفة، في عالم يصغر كثيراً من خلال التواصل الإلكتروني فيما يبتعد الناس بعضهم عن البعض في المقابل، ويهجرون القراءة وكل متعة بطيئة.

القراءة ليست فعلاً إجبارياً ولا عادة مفروضة، لكن ليس على المرء أن يكون أسير التحولات الإلكترونية حتى الرمق الأخير. وعيب هذه الإصدارات الجديدة لا يكمن في الاختصار، بل في أنها تقدِّم نفسها باسم الابتكار، فيما هي تزيل عن عالمنا فكرة السعادة والمتعة. والحال نفسها مع ما يروَّج له تحت مسمى {فن ما بعد الحداثة}، ذلك {الفن} المبهم الذي لا يفهمه حتى صاحبه.

صدر الكتاب لدى دار {كويركَس} التي نشرت الفكرة منذ عام على موقع {اليوتيوب} تحت مسمى {الحياة في خمس ثوانٍ}، وشرحت في كل فيديو قصة أو جزءاً من التاريخ أو حياة شخص معين في بضع ثوان.

back to top