الإعلامي رضا الفيلي وتاريخ الكويت
حين كتبتُ في هذا المكان الأسبوع الماضي، لأصف الدكتور سليمان الشطي بأنه أحد أعمدة الثقافة الحديثة في الكويت، فإني أذكر اليوم الأستاذ رضا الفيلي، لأتحدث عن واحدٍ من أكثر الوجوه إشراقاً وإخلاصاً للإعلام الكويتي.عرفتُ رضا الفيلي ولم أزل شاباً في بدايات حياتي الجامعية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي. كان وجهاً إعلامياً بارزاً، لكن هذا البروز والحضور الجماهيري الكبير، كان يأتي دائماً مسبوقاً بابتسامة ودودة، وتواضع جم، وفكر متفتح، واحتضان حقيقي للشباب، خاصة أولئك الذين يتلمسون أشواط دروبهم في بداياتها الوعرة.
لو سألني سائل، عن أجمل ما قدمه الإعلامي رضا الفيلي للكويت، فإنني لن أتأخر عن القول، إن جهد الفيلي الأهم، جاء عبر اللقاءات التاريخية المهمة التي سجّلها لتلفزيون الكويت مع عددٍ كبير من رجالات الكويت، الذين تحدثوا فيها عن كل شأن يخص الكويت، البلد الصغير، قبل اكتشاف وتصدير البترول، وفي مراحل انتقال المجتمع الكويتي، من مجتمع صغير محكوم بعادات وتقاليد إلى بلد حديث ينتمي إلى العالم المتحضر، بكل ما تحمل هذه العبارة من معنى للانتقال.هجمة الحداثة القاسية التي تعرضت لها مدينة الكويت القديمة، في بداية الستينيات من القرن الماضي، أخذت في فورة جنونها الأخضر واليابس، ومحت كل أثر معماري لمناطق الكويت القديمة بأحيائها و"فرجانها"، لتترك فراغاً تاريخياً كبيراً يصعب تعويضه اليوم. فحين يسألنا أبناؤنا أو أي من زوار الكويت العرب والأجانب عن المدينة القديمة، لا نمتلك إلا النظر إليهم بوجوه يعلوها الألم ونردد: "لم يبق منها شيء!"، ولولا النزر القليل من دواوين الكويت، وبعض بيوتها لما بقي شيء. لكن هناك شيئاً مهماً باقياً يجب التنبه إليه اليوم قبل الغد، وأعني بذلك تاريخ وطبيعة حياة تلك المدينة، وهذا ما أبدعه الإعلامي رضا الفيلي، عبر تسجيله لتلك المقابلات التلفزيونية التاريخية المهمة. إن الكتابة عن الإعلامي رضا الفيلي، شفاه الله، وهو على فراش مرضه العابر، شيء مهم ومطلوب، لشدّ أزره، وردّ بعض من جميله، لكن ما سيفرح قلب وروح "أبي خالد"، ومعه أهل الكويت، هو أن تنهض وزارة الإعلام، أو مركز الدراسات والبحوث الكويتية، أو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أو أي جهة حكومية كانت أو أهلية، لجمع تلك المقابلات، وتصنيفها وفق تخصص أصحابها، وتكوين فريق عمل يبدأ أولاً بتفريغ محتوى تلك المقابلات، ليحولها إلى مادة مكتوبة، قبل أن يُكلف أحد مؤرخي الكويت لصياغتها بشكلها النهائي، لتكون تاريخاً جديداً للكويت الحديثة.لقد اقترن تاريخ الكويت بكتاب الشيخ عبدالعزيز الرشيد، حين أصدر كتابه القيّم "تاريخ الكويت" عام 1926، وأكاد أكون واثقاً بأن تاريخاً جديداً سيلد للكويت حين ترى مقابلات الصديق العزيز رضا الفيلي طريقها إلى النشر على هيئة كتاب، ويتم وضعها تحت تصرف الدارسين وجمهور القراء بتقنية القراءة الإلكترونية، وعلى مختلف المواقع الإلكترونية.للأسف، نلتفت إلى أعلامنا في الأدب والفن والإعلام حين يداهمهم المرض، لكنني وأهل الكويت نتمنى أن يجتاز صديقنا الأحب رضا الفيلي وعكته الصحية، ويعود إلينا بنشاطه وفكره المتوقد وكنوز معلوماته، وساعتها لابد من تسجيل لقاءات معه يتحدث فيها عن مشواره الإعلامي، والذي يلخص بشكل أو بآخر مشوار الإعلام الكويتي.إذا كنت أقدم تحية من القلب للإعلامي رضا الفيلي، فإنني أجد لزاماً عليَّ القول إن الفيلي عاش حياته مؤمناً بالفكر المتنور، ومخلصاً لوطنه، وهو في كل الأماكن والوظائف التي شغلها ظل متواضعاً ودوداً يؤمن بالعمل الجماعي، ولذا تتلمذ على أياديه الكثير من طلاب العلم والأدب والإعلام، وهذا يجعلنا نردد: لك الصحة والعافية أيها الصديق العزيز.