فجر يوم جديد: مئوية {أبو الواقعية}!
كنت أعرف أن الناقد الكبير سمير فريد يُعد، مع انعقاد الدورة 37 لمهرجان القاهرة السينمائي، لاحتفالية ضخمة بمناسبة مئوية ميلاد المخرج الكبير صلاح أبو سيف (10 مايو 1915 - 22 يونيو 1996)، وخشيت أن تتسبب الاستقالة التي تقدم بها فريد من منصبه كرئيس للمهرجان في تجاهل المناسبة، وغض الطرف عن الاحتفال بالمخرج الكبير، الذي لُقب بـ {أبو الواقعية} في السينما المصرية!من هنا كانت فرحتي كبيرة لحظة إعلان السيدة ماجدة واصف، رئيسة مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية، أن الدورة الثالثة للمهرجان، التي ستقام في الفترة من 24 إلى 31 يناير الجاري، ستحتفل بمئوية ميلاد {الأب الروحي} للسينما الواقعية المصرية، وستعرض له ستة من أفلامه هي: {شباب امرأة} (1956)، {الوسادة الخالية} (1957)، {أنا حرة} (1959)، {بين السماء والأرض} (1959)، {القاهرة 30} (1966) و}الزوجة الثانية} (1967). وكنت أتمنى لو أصدر المهرجان كتاباً عن الراحل، الذي لم يفوتَ مناسبة من دون القول إن اعتراف الغرب به تأخر مقارنة بالمخرج يوسف شاهين، لكنه كان يستدرك قائلاً: {قد يكون هذا ناتجاً عن تقصير مني}، ويُضيف: {المسألة كانت تحتاج إلى علاقات عامة افتقرت إليها} (حواره مع الناقد سمير نصري).
لم يندم صلاح أبو سيف على فيلم أنجزه، بما فيها فيلم {حمام الملاطيلي}، الذي تعرض بسببه لهجوم قاس لكنه دافع عنه بقوله: {قلت من خلاله إن الحل للهروب من نكستنا ووكستنا (يُشير إلى هزيمة يونيو 1967) أن نحارب إسرائيل بأي شكل، وهذا ما حدث فعلاً، إذ عُرض الفيلم عام 1972 وفي عام 1973 اندفعنا إلى الحرب}، وكان يُكرر القول: {لم أقدم على فيلم رغم أنفي، وكل الأفلام التي حققتها أنا مسؤول عنها، واخترت موضوعاتها}. لكنه كان شديد الاعتزاز بأفلام: {الزوجة الثانية}، {السقا مات}، {بداية ونهاية}، {القاهرة 30}، {الفتوة} و}شباب امرأة}. وعلى عكس الكتابات التي تقول إنه لم يحب الدراما التلفزيونية اعترف أنه {كان على وشك الإقدام على إخراج مسلسل ولكن الأمور تعثرت وتم إرجاء المشروع}! ليست مصادفة أن يُطلق البعض على صلاح أبو سيف لقب {نجيب محفوظ السينما المصرية}، فقد ربطت بينهما علاقة صداقة وطيدة، وكان عضواً في جماعة {الحرافيش}، التي أطلق عليها الكاتب والقاص خيري شلبي {أبناء الشعب المغلوب على أمره}، وكانت تضم: الأديب نجيب محفوظ، المخرج توفيق صالح، الفنان أحمد مظهر، المذيع إيهاب الأزهري، الشاعر والفنان الشامل صلاح جاهين، الموسيقار سيد مكاوي، الكاتب الساخر محمد عفيفي ورسام الكاريكاتور بهجت عثمان... وغيرهم. ومع نجيب محفوظ أنجز عدداً من الأفلام المهمة مثل: {شباب امرأة}، {لك يوم يا ظالم}، {ريا وسكينة}، {الفتوة}، {القاهرة 30} و}بداية ونهاية}، وتمنى، في حياته، لو أخرج فيلماً بعنوان {كيف تتزوج وتعيش سعيداً}، الذي شارك في كتابة السيناريو له مع لينين الرملي، لكن الرقابة وقفت له بالمرصاد بحجة أنه {فيلم جنسي}، رغم تأكيده أنه لا يحتوي على مشهد جنسي واحد، وأنه يعتمد على دراسات علمية تؤكد أن تسعين في المئة من أسباب فشل الوفاق الجنسي وحالات الطلاق ترجع إلى الجهل بالثقافة الجنسية. وبعد وفاته قيل إن فيلم {النعامة والطاووس}، الذي أنجزه ابنه المخرج محمد أبو سيف، هو نفسه {كيف تتزوج وتعيش سعيداً}، بدليل أنه كتب على الملصق سيناريو لينين الرملي وقصة صلاح أبو سيف!المفاجأة التي جاءت على لسان صلاح أبو سيف، في حواره مع نصري، أنه كان يستعد لإخراج فيلم عن سيرة حياة رسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي، ونوه إلى أن بشير الديك يكتب السيناريو، وهو ما يشير إلى أنه الفيلم نفسه الذي أخرجه المخرج عاطف الطيب، الذي اختار نور الشريف للبطولة وهو الترشيح عينه الذي أعلن عنه أبو سيف، وهي مناسبة للقول إنه كان شديد الاعتزاز بالشاب عاطف الطيب، وكان يرى فيه شبابه، ربما بسبب تشابه أسلوب عاطف الطيب مع أسلوبه، واهتمامه الواضح بتقديم قضايا الواقع أكثر من اهتمامه باستعراض {عضلاته السينمائية}!لم يكن صلاح أبو سيف يتفق مع النقاد في فهمهم لمذهب الواقعية، ففي حين كان يؤمن أنها {الصدق والأمانة في اختيار المشكلة وعلاجها وأن يكون لك رأي صريح وصائب على الصعيد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي}، عاب على النقاد اتهامه بأنه حاد عن الواقعية في الأفلام التي أخرجها عن قصص الأديب الكبير إحسان عبد القدوس، وكأن الواقعية مقصورة على حي بولاق الشعبي، الذي قدمه في فيلم {الأسطى حسن}. والتصق أبو سيف بالناس طوال حياته، بل إنه رفض اقتناء سيارة ليكون قريباً وواحداً منهم!