«إمارة المتغلب»

Ad

حان الوقت لتناول تنظيم الدولة ليس بهدف دراسته كتنظيم بحد ذاته، ولكن لنتعلم ونعلم ما هو آت بعده، للخطوات المقبلة من حلم الخلافة الإسلامية بمختلف التوجهات والتنظيمات، وعليه نحاول في هذه السلسلة التعرض لتنظيم الدولة كأحد أهم الجماعات الجهادية المتطرفة في الفترة الحالية، سياسيا واقتصاديا وجهاديا، تقليديا وسيبرانيا إلى جانب النظر إلى الإنتاج الفني لـ"داعش" والاجتهادات والآراء الفقهية، بالإضافة إلى تناول نظرة الهيئات الإسلامية الوسيطة، وكذلك نظرة علماء الجماعات الجهادية الأخرى لـ"داعش"، وسنترك نقطة نشأته لكثرة تناولها، وعليه نتحدث في المقالة الأولى من هذه السلسلة عن الأساس الشرعي لخلافة تنظيم الدولة الإسلامية.

فالخلافة بعيداً عن التعريفات اللغوية والإجرائية تشير باختصار إلى نيابة شخص ما عن سابقه لإتمام ما قام به وإصلاح العوار- طبقا لتقلبات الزمن- الذي أصاب منهج الأول، وللخلافة في الإسلام طريقان: استخلاف وشورى، وثالث مختلف عليه وهو التغلب، فأما الطريقة الأولى فإن ذلك لم يحدث في إعلان دولة البغدادي، حيث إنه لم يستخلف الحكم من حاكم قبله، يبقى الخيار لدينا في خلافة الدولة الإسلامية بين أمرين إما شورى أو تغلب؟

هل خلافة البغدادي قائمة على الشورى؟

الإجابة عن هذا السؤال تختلف باختلاف عقيدة المجيب، فسيسرع المنتمون إلى تنظيم الدولة الإسلامية بالإجابة بالإثبات، في حين يسرع المنتمون إلى الجماعات الجهادية المعارضة لتنظيم الدولة، ويشترك معهم المنتمون إلى ما يسمى بالإسلام الوسطي في الإجابة بالنفي، وحتى نكون موضوعيين في الإجابة عن هذا السؤال علينا العودة إلى مفهوم الشورى في الإسلام والاستدلال عليه قرآنا وسنّة ومنهاج صحابة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم).

الشورى إحدى الركائز المهمة في الشريعة الإسلامية قرآنا وسنة ونهجا للخلفاء الراشدين، فكثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية تدور حول تلك النقطة كقوله تعالى في سورة الشورى :"وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ"، وقوله جل جلاله في سورة آل عمران "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ".

 وكما جاء في سنة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم)، فعن أبي هُريرة- رضي الله عنه- عن النَّبيِّ (صلَّى الله عليه وسلَّم) قال: "المستشار مؤتمن"، رواه أبو داود والترمذي، وكما روي عن ابن ماجة وعن جابر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم):"إذا استشار أحدُكم أخاه، فليُشر عليه"، ودلائل أخرى في عهد الخلفاء الراشدين تدل على العمل بمبدأ الشورى في الإسلام، كما جاء في تشاور الصحابة على اختيار الخليفة بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ولغوياً تأتي الشورى من الجذر "ش و ر" ويقال شاوره في الأمر بمعنى طلب منه الرأي والمشورة، فالأدلة كثيرة حول أساسية الشورى في الشريعة الإسلامية وفي أفعال السلف الصالح. وعلى الرغم من أن الشورى إحدى الركائر المهمة كما أشرنا، فلا توجد طريقة معينة ثابتة وواضحة لها في الإسلام، ولكن ما اتفق عليه الغالب أن يكون القرار فيها بالإجماع، وإن كان البعض رأى أنها بالأغلبية وبالنظر لخلافة البغدادي وإطلاقها، فقد نُصب البغدادي- وهنا إشكالية أخرى تتعلق بالسعي إلى الولاية- خليفة للمسلمين، مع وجود تحفظات واعتراضات ممن ينعتون بممثلي الإسلام الوسطي كالأزهر الشريف ودُور الإفتاء في مختلف الدول، كذلك أعلنت العديد من الجماعات الجهادية المتطرفة الأخرى المعارضة لتنظيم الدولة الإسلامية عدم مشورة البغدادي لهم، ومن ثم لا صحة لإعلان إقامة خلافة البغدادي بناء على الشورى سواء بالإجماع أو بالأغلبية.

«البغدادي وإمارة المتغلب»

بداية تجدر الإشارة إلى الخلاف شرعيا حول شرعية إمارة "المتغلب"، فقلة من ترى أنها إحدى طرق الخلافة، والغالبية ترى أنها ليست من الإسلام في شيء، ولكن يتم تقبله كرد فعل خشية الفتن بين الأمة، والمتغلب هو ذلك الشخص الذي يصل إلى الحكم عن طريق القوة والغلبة، واقفا بالسيف والقتل أمام كل من يقف أمامه، وأمام تحقيق هدفه وغايته، وما إن يصل إلى الحكم حتى ينتهج على الأغلب سياسات القمع والاستبداد للحفاظ على بقائه.

وقد رأى العلماء عدم شرعية الوصول للحكم بالتغلب للأسباب التالية:

- وصول المتغلب للحكم بغير طرقه الشرعية "الشورى".

- سعي المتغلب للإمامة، وهذا ما نهى عنه نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم).

- استبداد وتسلط المتغلب، وهذا ما نهى عنه نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم) في مواضع عدة منها ما جاء في صحيح مسلم "ومن خرج على أمّتي، يضربُ بَرّها وفاجِرها، ولا يتحاشَ من مؤمِنِها، ولا يَفي لِذِي عهدٍ عهْدهُ، فليس مني ولستُ منهُ" .

أما من رأوا شرعية إمارة المتغلب فقد تناولوها كرد فعل، أي ليس شرعية الفعل "الوصول للحكم بالتغلب"، ولكن حول قبول المتغلب وطاعته، وعليه هناك حالتان في الخروج على المتغلب كالتالي:

- الأولى وفقا للضرر المرتب على ذلك وتقسم لحالتين:

أ‌-  في حال ما كان الضرر المترتب على الخروج عليه مفسدة وشق صف المسلمين وتمزيقهم، فقد رأى أن تكون طاعته للمعروف استنادا لقاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".

ب‌- أما إذا كان الخروج عليه أقل ضررا ومفسدة جاز وتوجب الخروج عليه.

- الثانية أما إذا كان المتغلب ذا أهواء كالخوارج والروافض:

فقد رأى العلماء أنه لا طاعة له مطلقا ووجوب دفعه وقتاله.

وعليه نرى في النهاية أنه لا شرعية لإمارة المتغلب في الإسلام، ولكن الإقرار بها كان جراء الحديث حول حكم الخروج على المتغلب من باب قاعدة "الضرورات تبيح المحظورات".

وختاما بعد التعرض لأسس الخلافة في الإسلام والوقوف على الشورى فيه وجدنا عدم صحة إمارة البغدادي استنادا لما تناولناه من أدلة، وكذلك وجدنا عدم شرعية المتغلب شرعيا، ومن ثم لا صحة لخلافة البغدادي ودولته المزعومة.

وللحديث بقية.

* كاتب وباحث سياسي مصري