"من يزرع الشوك يحصد العوسج" فإسرائيل، التي انتهت إلى هذه الحكومة المتطرفة برئاسة بنيامين نتنياهو، بدأت تفقد أعصابها بعدما جعلت تصرفاتها "الفاشية" فعلاً، الفلسطينيين يتحولون إلى قنابل موقوتة وانتحاريين لا يهمهم أن يكون مصيرهم الاستشهاد ما داموا سيثأرون للأطفال الذين هرست جماجمَهم جنازيرُ الدبابات الإسرائيلية، وما داموا سيسجلون في صفحات التاريخ أنهم ضحوا بأنفسهم من أجل وطنهم فلسطين، الذي لا وطن لهم غيره، ومن أجل القدس الشريف والمسجد الأقصى، وأيضاً من أجل كنيسة المهد، وباقي المقدسات الإسلامية والمسيحية.

Ad

أطلق الرئيس ياسر عرفات (أبو عمار)، الذي نعيش في هذه الأيام الذكرى العاشرة لرحيله الموجع، على شبان الانتفاضة الفلسطينية الأولى وصْف: "جنرالات الحجارة"، والمؤكد أنه لو أدرك هذه المرحلة لأطلق على هؤلاء الذين لجأوا إلى نمط جديد من المقاومة الباسلة وصْف "جنرالات السكاكين"، فهذا اليميني المتطرف والأرعن بنيامين نتنياهو هو مَن أغلق بأفعاله وسياساته البائسة كل الطرق أمام أبناء الشعب الفلسطيني، فتحولوا إلى قنابل متفجرة تطارد الجنود والمستوطنين الإسرائيليين في كل مكان، وتحولوا إلى سكاكين تنغرس في خواصر هؤلاء، فأصبحت هذه الدولة التي تمتلك القنابل النووية ترتجف هلعاً وخوفاً وكقصلة في مهب الريح.

ظن نتنياهو أنه قادر على فرض إرادته على الشعب الفلسطيني الذي أطلق في عام 1965 ثورة، أصبحت معلماً من معالم القرن العشرين، من الصفر، والذي استمر في تقديم قوافل الشهداء المتلاحقة منذ أن وطأت أقدام الغزاة (اليهود) أرض فلسطين، ثم ظن نتنياهو أن بإمكانه فرض أكذوبة الهيكل وجبل الهيكل على هذا الشعب المكافح العنيد، وأنه بالتالي سيتمكن من إلقاء أهل هذه الأرض المقدسة، منذ ما قبل التاريخ، خلف حدود وطنهم، وأنه سيحقق تلك المعادلة التي طرحها المستعمرون المتآمرون القائلة: "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض".

كنَّا نراهن على أن "العقلاء" الإسرائيليين، الذين يبدو أنهم اختفوا تماماً، ولم يعد لهم أيُّ وجود أو صوت في ظل ارتفاع أمواج هذا الـ"تسونامي" اليميني الذي يركبه نتنياهو، سيقدِّرون تنازل الفلسطينيين عن أكثر من أربعة أضعاف وطنهم فلسطين، الذي لا وطن لهم غيره، وأنهم سيلتزمون باتفاقيات أوسلو وبكل القرارات الدولية المتعلقة بهذه الاتفاقيات، لكن ها هي كل هذه الأعوام تمر منذ عام 1993 بدون أن تتخلى إسرائيل عن تطلعاتها المريضة السابقة لتحويل القدس إلى ما تسميه عاصمتها التاريخية، وتحويل الفلسطينيين إلى مجرد جالية غريبة في الضفة الغربية التي تصر إسرائيل على أنها: "يهودا والسامرة"... وهذا في حقيقة الأمر هو ما فعله المستوطنون الأوروبيون في جنوب إفريقيا قبل انتصار ثورة السود بقيادة البطل نيلسون مانديلا العظيم.

هناك مثل عربي شعبي يقول: "من أراده كله خسره كله". وما يفعله الإسرائيليون الآن بقيادة حكومتهم اليمينية المتطرفة سينتهي بهم إلى ما انتهى إليه الغزو "الفرنجي"، الذي أطلق عليه المؤرخون الغربيون اسم "الحروب الصليبية"، فهذه المنطقة دأبت على طرد كل غريب لم يقبل أن يكون جزءاً منها وجزءاً من أهلها ومن ترابها وهوائها، ومن المؤكد أن هؤلاء الإسرائيليين الذين مازالوا، بعد كل هذه الأعوام الطويلة، يعيشون في فلسطين ليس كمواطنين بل كمستوطنين، لم يدركوا أنَّ هذه الأمة، أي الأمة العربية، قد تتراجع وقد تصاب بالوهن في مرحلة من مراحل التاريخ، لكنها لا تهزم، ولا يمكن أن تهزم، والشاهد هو كل هذه الأطنان من كتب التاريخ المتوافرة والمتاحة لكل مَنْ يريد أن يقرأ.

لقد خاطب نتنياهو ما يسمون "عرب 48"، والشرر يقدح من عينيه، بقوله: "إن عليكم الرحيل إلى الدولة الفلسطينية التي تدعون إليها إذا كان لا يعجبكم العيش في إسرائيل"، وهذا ما كان يقوله المحتلون الفرنسيون، قبل طردهم من الجزائر، للجزائريين، وما كان يقوله الأوروبيون البيض قبل إجبارهم على التخلي عن نظام الـ"أبارتهايد" والتسليم لإرادة أهل جنوب إفريقيا بقيادة نيلسون منديلا العظيم، ولذلك فإننا نقول لرئيس الوزراء الإسرائيلي، إنه ليس أمامك، إذا بقيت ترفض التعايش مع الشعب الفلسطيني، إلا أنْ تحزم حقائبك منذ الآن، لأن من يرفض السلام ويتصرف بكل هذه الاستعلائية العنصرية سيأتي اليوم الذي ترفضه فيه الأرض، وترفضه فيه السماء، أي أرض فلسطين وسماء فلسطين... وهذه الأيام بيننا... والأيام دولٌ... ومنْ سرَّه زمن ساءته أزمان!