ماركة ربانية
في زمن أصبحت المادة طاغية، لم يعد للنواحي المعنوية أي اهتمام! فمن من النساء لا تلهث وراء آخر حقيبة من الماركة الفلانية، أو من لا يتسابق لاقتناء آخر صيحات الموضة ذات الماركات العالمية، أو العطر أو النظارة أو المقتنيات الإلكترونية، في وقت لا تكف الاعلانات عن بث الزخم الإيحائي بأن السعادة لا تكون إلا بتملك تلك الماركات التي أفقدت الناس عقولها وجعلتهم ينغمسون في الماديات متناسين احتياجاتهم المعنوي. ومن ناحية التغذية، لا تنفك الإعلانات تحيطنا بالوجبات السريعة التي تلبي الشهوة الزائفة، وتغذي عقول الناس بأنهم شاركوا في التمدن والعولمة التي أنستهم أرواحهم، بعدما ضعفت وذبلت وباتت في مرحلة الغرق، وكل ما غُذي هو تلك «الأنا» أو «الإيجو» الزائف الذي يريد أن يعيش داخلنا بناءً على روحنا التي هي الماركة الربانية... تلك الماركة التي طُمِست منذ نعومة أظفارنا، ففقدنا ماهيتها بفعل البرمجات التي نتلقاها من والدينا اللذين أيضا تبرمجا عليها، فلم يعد أحد يعرف حقيقته. نحن لسنا أسماءنا أو أعمالنا أو أجسادنا أو أفكارنا ولسنا مشاعرنا ولا حتى إنجازاتنا، نحن لا شيء، نحن فراغ! فما نراه ما هو إلا انعكاس لأشكالنا، ومن هنا علينا التفكر بالصنعة الربانية، التي ما إن تدرك كيف تعمل وكيف تصونها من الاندثار والانهيار فستظل لأمد طويل تعطيك وتسعد بعطائها لك.
دعني أوضح أكثر مدى تفرد هذه الصنعة الربانية، فأنت كإنسان لا تدرك قدراتك الدفينة، والكنوز المتلألئة داخلك، لأنك لا تنظر إلا للخارج، فهل تعلم كم تفاعلاً كيميائياً يحدث في كل خلية من أجسامنا، دون أن تعي، قرابة الستة آلاف مليار كل ثانية، ومتى اعترت تلك التفاعلات الفوضى أصبنا بالشيخوخة، «ولكي نبقى على قيد الحياة يجب أن تعيش أجسادنا على أجنحة التغيير» (ديباك تشوبرا)، فأنت أيها الإنسان ماركة ربانية لا مثيل لك، فقدر ذاتك، واعرف كيف تحافظ على شبابك، وذلك من خلال قدرتك على التواصل مع كل تفاعل داخلك، وكن على علم بدرجة تصل بك إلى تخفيض أو زيادة نبضات قلبك، ويمكن أن تتعلم ذلك من خلال التدرب على تقنيات يمكن شرحها مستقبلاً، وفي الختام أردد ما قاله الإمام علي، كرم الله وجهه: وَتَحْسَبُ أنَّكَ جُرْمٌ صَغِيرٌ وفيك انطَوَى العالمُ الأكبر