في سياق الحديث عن الانتخابات البرلمانية القادمة والائتلافات التي تعقد بين بعض الأحزاب لخوضها في قائمة واحدة، تناولت في مقالي الأحد الماضي تحت عنوان "خارطة الطريق والانتخابات البرلمانية القادمة في مصر"، بعض الرموز البرلمانية المعارضة التي استطاعت في عهد السادات ومبارك أن تتبوأ مقاعدها في البرلمان، رغم كل وسائل التزوير والحصار الذي فرضه النظام الحاكم على لجان الانتخابات والمال السياسي، ومن هذه الرموز النائب أبو العز الحريري الذي كان حديثي في عجالة تتفق مع سياق المقال، أما وقد لاقى ربه منذ أيام، فأستميح القارئ عذراً في استكمال مقالي السابق في الأسبوع القادم لأفرد هذا المقال؛ لكي أنعى إلى القراء وإلى الأمة العربية أبو العز الحريري نائب الشعب، والمناضل الحر الصلب الذي ظل محافظاً على مبادئه صامداً أمام كل الإغراءات، متحملاً وعائلته كل سنوات الاعتقالات التي قضاها في سجون النظام الحاكم في مصر، مدافعا عن الحريات، منحازاً إلى طبقته التي نشأ فيها والتي تتكون من العمال والفقراء، مطالبا بحقوقهم المشروعة.
وفي هذا المقال أطرح بعض المحطات في حياته وفي نضاله الذي لا تكفيه مجلدات:أبو العز شهيد المبادئفي عام 1976 برز نجم أبو العز الحريري عندما خاض الانتخابات البرلمانية التي جرت في هذا العام، لينجح نائباً عن كرموز بالإسكندرية، كأصغر نائب في البرلمان، فلم يكن قد تجاوز الثلاثين من عمره، ضمن باقة من الرموز والقامات الوطنية نجحت في هذه الانتخابات، مثل أستاذي الراحل الدكتور محمد حلمي مراد، وكمال الدين حسين وعلوي الجزار وغيرهم، وكان ممدوح سالم رئيس الحكومة قد ترشح في هذه الدائرة.ولئن كان أبو العز الحريري قد ترشح عن العمال، وأن المنافسة بينه وبين رئيس الحكومة لم تكن واردة أصلاً، لأن الأخير كان قد ترشح عن الفئات، إلا أن اختلافهما الفكري فرض على أبو العز أن يخوض معركة شرسة، استخدمت فيها الحكومة كل وسائلها في الترهيب والعنف والمال السياسي، بل وصل الأمر إلى محاولة اغتياله على يد أحد المسجلين الخطر الذين كان النظام يعتمد عليهم في الانتخابات، فتركت هذه المحاولة بصمة على خد أبو العز الأيسر من ضربة سكين.فقد كان ممدوح سالم هو أحد المسؤولين عن سياسة الانفتاح، وكان أبو العز الحريري هو أحد القيادات العمالية في صناعة الغزل والنسيج، حيث عين عقب تخرجه في الشركة الأهلية للغزل والنسيج التي خرج منها محمد شندي أول نائب عمالي يدخل البرلمان عام 1938، وهو النائب الذي قدم العديد من مشروعات قوانين التأمينات الاجتماعية والنقابات العمالية والإصلاح الزراعي، بل مشروع قانون تأميم قناة السويس.فسار أبو العز على خطى محمد شندي في برلمان 1976، ليقدم مشروعات القوانين لتحقيق العدالة الاجتماعية، وليحمل لواء المعارضة لسياسة الانفتاح التي أضرت بالاقتصاد الوطني، فقد كان انفتاحا استهلاكياً، دمر الصناعات الوطنية.فلجأ النظام الحاكم إلى الشركة التي يعمل بها، ليحول بينه وبين حضور جلسات البرلمان، التي أصدرت قراراً بنقله إلى البحر الأحمر، فتضامن معه زملاؤه في الشركة، ليصرفوا له مرتبه من صندوق الزمالة، بعد أن رفض تنفيذ قرار النقل التعسفي.ولم يجد نظام الحكم مناصاً من إسقاط عضويته في البرلمان عام 1978، ليخوض معركته من خارج البرلمان ضد الفساد، وليعتقل أكثر من مرة كأحد قادة حزب التجمع، وكان واحدا من المجموعة التي أصدر الرئيس الراحل أنور السادات قراراً باعتقالها في سبتمبر 1980، وهي المجموعة التي شملت محمد حسنين هيكل وفؤاد سراج الدين ومصطفى أمين ومحمد حلمي مراد وغيرهم من القامات الحزبية والصحافية.عودة نائب الشعبويعود نائب الشعب مرة أخرى إلى البرلمان في عام 1984 وفي عام 2000 منحازاً للفقراء ومحدودي الدخل ضد الزواج الكاثوليكي للحكم ورجال الأعمال، وهو ما كان يطلق عليه تزاوج المال بالسلطة.وظل صامداً في حربه التي أعلنها على الفساد، وفي نضاله لتحقيق العدالة الاجتماعية والحرية والديمقراطية، وهي المبادئ التي قامت ثورة 25 يناير لتحقيقها، فكان أول من نزل إلى الميدان مشاركاً في الثورة.ويذهب بسيارته، هو ورفيق دربه الفخراني في فترة حكم الإخوان ليطلبا من الشباب الذين حاصروا مقر حزب الحرية والعدالة بالإسكندرية فك الحصار، لأنه يؤمن بالحرية للجميع، فيتعرض للضرب وتحطيم سيارته في محاولة لاغتياله.ويظل أبو العز المناضل القدوةوبخوض حربه الأخيرة ضد مرض عضال أودى بحياته مساء الأربعاء الماضي لتنعاه كل القوى السياسية إلا التيار الإسلامي الذي لم يرع للموت حرمته، بل راح على قنواته الفضائية وعلى مواقعه في "تويتر" و"فيسبوك" يشيع فقيد الوطن باللعنة والسباب، حتى إن مشرفاً على إحدى هذه القنوات قال يسأل ربه "إني أسألك أن تعامل أبو العز الحريري بعدلك لا برحمتك وانتقم منه في قبره وآخرته لكل من آذاهم".ويضيف آخر على القناة ذاتها إلى دعاء المشرف "اللهم أرِ أبو العز في قبره ما كان ينكره واحشر معه من ارتضى أقواله وأفعاله".ولا أجد ما أختم به هذا المقال سوى أن أدعو لكل المناضلين عن حقوق شعوبهم وحرياتها، وعن آمالها وتطلعاتها، أن يمنحهم صلابة هذا الرجل الذي دافع عن الحق والحرية والإنسان والوطن دفاع الأبطال حتى لاقى ربه، لم تثنه عن نضاله رغبة ولم يمنعه من مواصلة كفاحه رهبة أو سجن أو اعتقال، اللهم أسكنه فسيح جناتك مع الشهداء والصدّيقين.
مقالات
ما قل ودل: رحل أبو العز الحريري نائب الشعب في مصر
08-09-2014