كان عبدالله المحسن رهاننا الأول في الأسبوع الفائت، ولا يختلف الرهان الثاني كثيراً عنه، فالشاعرة الشابة سمية جميلي، في أول عمل لها "أكملوا عني هذا المشهد"، تمتلك صوتاً يفوق عمرها الشعري وتجربتها الحياتية. ورهاننا أنها ستكون من الأصوات الشعرية المبدعة في الخليج والعالم العربي إذا ما استمرت بهذا الأداء.
تجربة سمية الأولى مؤشر إلى طول نفس الشاعرة في القصيدة/ الديوان، وهو اعتماد الديوان بشكل شبه كامل على قصيدة تحمل عنوانه عن تجربة حب هي أولى بأن تكون مرثية الفقد في أول دروبها نحو الحياة.تكتب سمية قصيدتها برشاقة حزن غير مبالغ فيه، بصوت ليس بكائياً أو رثائياً بما يحمله هذا الفقد عادة في الشعر العربي القديم والحديث أيضاً. إنه عودة للحياة الأولى التي كانت تعيشها. استعادة المشهد الواقعي بعد الخروج من عالم لا تشير إليه ولا تتحدث مباشرة عنه قدر ما تتحدث عما كان بعده."العالم الذي / تلاشى حين قبّلتني/ بدأ يستعيد حضوره"في مقطع كهذا، يجدر بنا أن نتوقف عن إكمال النص الذي يليه، المشهد الذي طلبت منا في عنوان عملها أن نكمله نيابة عنها نستطيع بشكل جيد أن نعيشه ونتعايش معه ونكمله سواء بتجربتنا الخاصة أو بما نعتقده تجربتها الخاصة. لقد انزاح عالم كامل لا نعلم تاريخه ولا درجة عنفوانه، عالم تجسده كاملاً قُبلة وهو يستعيد حاضره منسلخاً عن ماضيه، لتعود الأشياء التي غيبتها حالة حب إلى طبيعتها، تعود الأشياء التي أكسبها الحب ألواناً غير واقعية إلى واقعها القديم.. "وجه أمي هو وجه أمي/ الشجرة التي تخيلتها تغني لي صباحاً / لم تعد تجيد سوى الوقوف ببلاهة/ كل شيء هو كل شيء/ هكذا بدأت أنسى". سنعيد قراءة المشهد الذي لم تكتبه، ونتخيل كيف كانت هذه الأشياء في عالم أعادت تشكيله قُبلة واستعاد ذاته حين انطفأت.هذا الإيجاز في تجربة ما قبل وما بعد، يجعلنا نشارك في صياغة عالمين تركتهما الشاعرة بذكاء لنرسمهما كما نشاء، نحن هنا لا نقرأ صورها الشعرية ولكننا نساهم في تشكيلها.. "الحياة التي أعيشها قبل أن تأتي هي ذاتها التي أمارسها الآن/ بعد أن رحلت/ مع فارق بسيط في الذكريات".المشهد الأكثر وعورة في القصيدة، هو مشهد لا يمكن تجاوزه بسهولة وهي تصل إلى قمة خلاصها من أثر تجربة العشق التي عاشتها بتفاصيل تنقلها لنا بطريقة ذكية ومبتكرة شعرياً، وهو مشهد بالإمكان اعتباره إحدى عيون الشعر الحديث. تنقل الشاعرة تجربتها مع حبيبها إلى حبيبته الجديدة، وهي حبيبة مفترضة، وكان بودي أن أكتب المشهد كاملاً لولا مساحة المقال.. "غطي قلبه جيداً يخاف الليل حين ينتشر في يومه/ وحين يغفو، قبّليه على عينيه/ عانقيه كل مرة، كما لو أنه عناقكما الأول/ ليتأكد أنك لن ترغبي في الرحيل دائماً، كما كنتُ". تنتقل بوصاياها إلى كل الأشياء التي يرغب بها والتي يخاف منها، الأشياء التي يحبها ويرى متعته فيها، وما يتناقض فيه وهي ترتب حبيبته الأخرى لا تنسى أن تقدم لها الصدمة المحتملة وهي صدمتها السابقة وصدمتنا الآن.. "سيتنازل عنك بالسهولة ذاتها التي أحبك فيها/ هذا لن يعني لك شيئاً بعد فترة من الزمن".هذه الأخرى التي ابتكرتها، وهي ترسم تفاصيل علاقتها ونهايتها المؤلمة، لم تكن في الواقع سوى حيلة رائعة لرسم صورة علاقتها هي. مشهد سمية جميلي كان جميلاً بالمساحات التي منحتها لنا لنكتبها بذات الثراء الذي خطت لنا عناوينه العريضة.
توابل - مزاج
الرهان الثاني
11-01-2015