إلى أين انتهينا بالمقاطعة؟!
يردد بعض أهل الحكم، بين بعضهم ومع المقربين منهم، خطاباً سطحياً يعيّر المواطنين المتذمرين من ركود المستنقع السياسي الحالي، برغد حياتهم، ونعيمها، وكمالها، فهؤلاء من أهل الحكم يشكون مستغربين، مرددين عبارات متعالية ومتغطرسة، من صنف "… شنو يبون هالكويتيين… هم بخير ونعمة، ياكلون ويشربون، وعندهم بيوت وسيارات مكيفة، وعلاج ببلاش، ويسافرون بالإجازات أوروبا وأميركا... شنو يبون بعد… الحكومة تدعمهم بالأكل والماء والكهرباء، وتوفر لهم الوظيفة براتب جيد، ولو كانت من غير عمل حقيقي". ويمضي هذا الخطاب المعاير بمنّة الحكم على الناس والمُستغرِب من تذمر المعارضين دون توقف عارضاً القوائم الطويلة للكرم المشيخي... ليصل في نهايته إلى عبارات كالصفعات المهينة تبغي لجم "المتحلطمين": "شوفوا غيركم… شلون عايشين... حمدوا ربكم…"! هكذا تختصر الحياة والوجود الإنساني بـ"الصدقات" المادية التي توفرها السلطة للمواطنين، وطبعاً الدولة هنا مختصرة بأشخاص الحكم لاغير، وما توفره الدولة من بقالة النفط الاقتصادية هو "إكراميات" من أهل الحكم للناس، وكأن أهل السلطة يدفعون من "جيبهم" الخاص، لذا فليخرس الجميع ويقبلوا أكفهم بالمقلوب.
أما القضايا الحياتية "المادية" الأخرى التي يعانيها المواطن، مثل ارتفاع إجارات السكن، ومشاكل المرور، وسوء الخدمات الطبية والتعليمية، وسلطوية دولة الموظف العام وغير ذلك من شؤون تتكرر في المقالات اليومية وعلى مسامع المسؤولين، فلا قيمة لها، لأنها تتضاءل وتنكمش في ثقافة أهل الحكم أمام حكمة "شوفوا غيرنا..." كلما أثير الحديث عن قضايا، مثل خنق الحريات، وانتهاك حقوق الإنسان، وفرض صور لديمقراطية شكلية على مقاس الحكم. ثم هناك الصمت المُخجِل عن قضايا الفساد الكبرى والالتفات عنها، والاستسهال والتعامي عن الفساد اليومي في دوائر الدولة المتجسد بالرشا وتكريس المحسوبيات والواسطة، ولنمض، بعد ذلك، ونتذكر أوضاع "البدون" المنسية، وغياب التشريعات للعمالة المنزلية الخاصة (على سبيل المثال)، والممارسة البالغة التعسف في قمع المعارضين عبر تشريعات وممارسات لا تتناسب مع الحد الأدنى لما استقرت عليه الأمم المتحضرة في أحكام العدالة، كل ما سبق يعد ترفاً زائداً عندهم، ولا حاجة إليه. كيف يمكن مواجهة مثل تلك القناعات السابقة المستقرة عند فئات من أهل الحكم، التي أوصدت الأبواب من خلفها، ولم تعد تنصت لأحد، ولا تمد النظر إلى الغد وما بعد الغد...؟ هل يفترض أن يترك الواعون الأمور على حالها، وينتظروا مترقبين لحظة انفجار الصمت، وهي رجم بالغيب... وليحدث ما لا أحد يريده لهذا الوطن؟ وهل سيبقون أسرى المراهنة على الزمن والقدر؟! طرق أبواب أهل الحكم لن يضير أحداً، ولا يعني ذلك، التخلي عن كرامة ما ولا التضحية بشيء، الخسارة اليوم ألا نجد بضعة أصوات من أهل الحق المعارضين يقرعون أجراس الإنذار حين تنحرف السلطة في قراراتها السياسية أو تتخبط في إدارة الحياة العامة، وتخضع لأصوات "عوير وزوير" النشاز المتحلقين حولها، بعد أن فرضوا رؤيتهم وحققوا مصالحهم الذاتية، وأخذوا يصولون ويجولون وحدهم على خشبة المسرح الحكومي، وكأن الكويت عزبتهم الخاصة.كم نائباً صدح بالحق حين حُبِس المغردون وأصحاب الرأي؟! وكم نائباً امتعض - غير راكان النصف - عندما أوقف ضاربو الدفوف تعيين سعد العتيبي في منصب رُشِّح له بعد أن قرر مجلس الوزراء مباركة تعيينه، ثم فجأة "تنحرت" الحكومة في مكانها، وجمدت تعيينه خشية ضجيج أبطال الورق، أو حين تم تخطي حق مواطن ما في سلم الترقية، أو ظُلِم غيره، أو فُصِّلت مناقصة أو مزايدة على مقاس زيد وعبيد…؟ أعلم أن المخلصين للوطن والقلقين على مستقبل أجياله، وما أكثرهم، لهم موقف مبدئي من عدم الحوار مع السلطة أو مشاركتها، وهذا مستحق، لكن نسأل إلى أين وصلنا بعد ذلك...؟ فنحن نسير من سيئ إلى أسوأ.