مُطمئنٌ انتهاء "إشْكال" مجلس التعاون الخليجي مع مصر على النحو الذي انتهى إليه، فالعرب ليسوا بحاجة إلى المزيد من الخلافات، والمزيد من التناحر في هذا الظرف الذي وصل فيه الانهيار حتى الأعناق.
ومع التقدير والاحترام والشكر لما قام به العقلاء من تطويق لسوء التفاهم هذا، فإنه كان يجب الأخذ بعين الاعتبار أن المطالبة المصرية لمجلس الجامعة العربية بقرار يسمح بالردِّ على الإرهاب، الذي أوجع قلوب المصريين، خارج الحدود، مبررها أنه من حق أي دولة مستهدفة على هذا النحو، أن تذهب إلى الذئاب والوحوش المسعورة في أوكارها وكهوفها البعيدة، وأن تضربها هناك من قبيل الدفاع عن النفس.لم يكن ممكناً أن تطالب مصر بما طالبت به مجلس الجامعة العربية لو أن هناك سلطة في ليبيا، ولو أن الدولة الليبية قائمة وموجودة بجيشها وأجهزتها الأمنية، أما إذا كان واقع الحال في هذا البلد العربي كما هو الآن، فمن حق الدولة المصرية أن تدافع عن نفسها، وأن تستهدف الذين يستهدفون شعبها، إن خارج أراضيها وإن داخلها، وهذا يُفترَض أن كل العرب يدركونه ويعرفونه، كما أدركوا أنه عندما فرض "داعش" نفسه كدولة على الأراضي العراقية والسورية "السائبة"، فإنه لا علاج إلا القوة العسكرية.كان من المنتظر تطويق هذا الإشكال بالسرعة التي تم تطويقه بها، فالوضع العربي، أو باقي ما تبقى من الوضع العربي، لا يسمح بالمزيد من التمزقات والتناحر والخلافات، ويفترض أن الكل، كل العرب وفي مقدمتهم عرب الخليج، مدركون لأهمية أن تبقى مصر متماسكة وقوية ومقتدرة، فـ"انفراط" الوضع المصري، لا سمح الله، لن يُبقي حجراً فوق حجر في هذه المنطقة، وهذا هو التاريخ البعيد والقريب أمامنا منذ غزو الفرنجة "الصليبيين" حتى إقامة الدولة الإسرائيلية، وقبل ذلك وبعد ذلك.لقد خسر العرب العراق وخسروا سورية، وهما الدولتان الرئيسيتان في المنظومة العربية، ثم ها هي ليبيا قد أصبحت دولة فاشلة مثلها مثل الصومال، وها هو اليمن ينهار أمام عيوننا، وهذا من المفترض أن يلزمنا إلزاماً بوضع مصر في حدقات عيوننا، وأن نحميها من نزوات بعضنا، ومن تطلعات قادة بعض الدول الإقليمية، التي لا يجوز أن تستهدف أرض الكنانة على هذا النحو، والتي لا يجوز إطلاقاً أن تخضع علاقاتها و"استراتيجيتها" في المنطقة لمصالح حزبية ضيقة، وبخاصة أن الحزب الذي تراهن عليه أثبت أنه إذا كان يصلح للإزعاج والمناكفة والمعارضة فإنه لا يصلح للحكم. نحن بحاجة إلى مصر، ومكانة مصر، وشعب مصر، وجيش مصر، وإمكانيات مصر، وبخاصة أن إيران غدت تضع أصابعها في عيوننا، وأن بعض كبار قادتها لم يخجلوا، إذا كانوا لا يخافون، من أنْ يتحدُّونا كلنا ويقولوا إنهم باتوا يبسطون هيمنتهم على أربع عواصم عربية هي بغداد، ودمشق، وبيروت، وصنعاء... نحن بحاجة إلى مصر، لأن العراق في حقيقة الأمر محتل، ولأن سورية محتلة، ولأن لبنان تحتله ضاحية بيروت الجنوبية، ولأن الاحتلال يهدد اليمن، وأيضاً وقبل هذا كله، لأن فلسطين محتلة. الآن وفي هذه اللحظة التاريخية الحاسمة والخطيرة يجب ألا نترك "الأمزجة" تتحكم في علاقات بعضنا مع البعض، وفي علاقاتنا بمصر على وجه التحديد، فترك العنان للأمزجة لتحديد العلاقات بين هذه الدولة العربية وشقيقاتها القريبة والبعيدة، إن كان محتملاً ومقبولاً في مراحل الاسترخاء السابقة، فإنه لم يعد لا محتملاً ولا مقبولاً في هذه المرحلة، حيث رؤوس الجميع غدت مطلوبة، وحيث إن ما يجب أن ندركه كلنا هو أن من يستبيح سيادة دولة عربية ويحتلها احتلالاً مقنعاً ومكشوفاً سينتقل إلى دولة أخرى، ولهذا فإننا بحاجة إلى مصر، وإننا بحاجة إلى بقاء مجلس التعاون الخليجي وعدم انفراط عقده، وإننا بحاجة إلى الحفاظ على الأردن كرأس رمح للعروبة، ومن المحيط إلى الخليج... إنه يحق لمصر ما لا يحق لغيرها.
أخر كلام
يحـق لمصر ما لا يحق لغيرها!
23-02-2015