وثيقة لها تاريخ :المعتمد كوكس للإمام عبدالرحمن: رفعنا الأمر إلى الدولة البريطانية وننتظر الجواب
استعرضنا في المقال السابق رسالة الإمام عبدالرحمن بن فيصل آل سعود إلى الإنكليز عام 1904، والتي يطلب فيها منهم عقد اتفاق حماية مشابه لاتفاقية الحماية بين الإنكليز والشيخ مبارك الصباح. واليوم نستعرض رسالة المقيم البريطاني في بوشهر الجوابية على رسالة الإمام. وفي حقيقة الأمر، رسالة المقيم البريطاني ليست رداً على طلب الإمام، إنما رسالة تفيده بتسلم رسالته والاهتمام بها، وأن الجواب سيتم نقله إليه عند وروده من الدولة البريطانية. تقول رسالة الميجر بيرسي كوكس:«في شهر جون سنة 1904 مطابق في شهر ربيع الاول سنة 1333
من ميجر كاكس باليوز وقونسل جنرال الدولة البهية القيصرية في خليج فارس الى جناب الاجل الاكرم الافخم المفخم المحب الشيخ عبدالرحمن الفيصل المحترم سلمه الله تعالى وابقاه امين فالموجب لتحرير الكتاب هو ابلاغ السلام والسؤال عن صحة حالكم على الدوام وبعد بأبرك (في أبرك) وقت اخذنا كتابكم العزيز المؤرخ في 14 صفر وكان وصوله الينا من توسط محب الجميع الشيخ مبارك من بعد أسبوعين اننا قد رفعنا الى حضرت (حضرة) الدولة البهية القيصرية المواد التي ذكرتموها الينا على حسب ارادتكم والحال منتظرين الجواب وبدون الشك ان هذه المقدمة في مد نظر الدولة المعظم اليها وعندما يصل الينا الجواب سنفيدكم فورا في هذا البين يمكن جنابكم يتعجب من تعويق الجواب ولهذا بادرنا بإرسال هذا الكتاب المختصر لاجل السلام واظهار التشكر لجنابكم من اراحاتكم المودة التي اشرتم في كتابكم ولاعلامكم حينما يصل الامر من حضرة الدولة نعرف جنابكم ودمتم محروسين.»وتشير رسالة كوكس إلى عدة أمور أولها أن المعتمدية البريطانية علقت أهمية كبيرة على الطلب السعودي، وانعكس هذا الاهتمام في إرسال الرسالة الجوابية، رغم أنه لم تجر العادة بإرسال رسالة تفيد بالاستلام وتوضح الحاجة إلى الانتظار ريثما يصل جواب من الحكومة البريطانية. والملاحظة الثانية هي مخاطبة الإمام عبدالرحمن بألقاب مفخمة، وهو القول «جناب الاجل الاكرم الافخم المفخم المحب الشيخ عبدالرحمن الفيصل المحترم»، مما يعكس الاهتمام الملحوظ من قبل المقيم كوكس بإضفاء الأهمية البالغة للإمام ورسالته. أما الملاحظة الأخيرة فهي أن كوكس لم يشأ أن يترك الإمام عبدالرحمن ينتظر وقتاً طويلاً إلى حين ورود الجواب دون أن يشرح له مسبقاً سبب التأخير الذي يعود إلى الحاجة إلى مناقشة الأمر داخل الحكومة البريطانية والمجلس النيابي. وهنا أود الإشارة إلى أن بريطانيا لم توقع اتفاقية حماية مع السعودية في تلك الفترة، بل كانت أول اتفاقية بريطانية-سعودية هي اتفاقية دارين، وتمت في 26 ديسمبر عام 1915م، وفيها اعترفت بريطانيا بسيادة عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود على نجد والإحساء والقطيف والجبيل، وتعهدت بمساندته في حال حدث اعتداء من قبل إحدى الدول الأجنبية على الأراضي التابعة له. كما نصت الاتفاقية على تعهد ابن سعود بأن يتحاشى الدخول في اتفاقية أو معاهدة مع أية دولة أجنبية. وقد ألغيت معاهدة دارين بعد توقيع اتفاقية جدة في عام 1927، والتي بمقتضاها اعترفت بريطانيا بسيادة ابن سعود على كل الأراضي النجدية والحجازية.