ما زال الغموض يكتنف أهداف الحلف الدولي الذي شكلته أميركا مؤخرا بدعوى محاربة "داعش" أو ما يسمى الإرهاب، فـ"داعش" وإخوانه لا يحتاجون إلى ترسانة أسلحة ضخمة مدمرة وجيوش جرارة للقضاء عليهم، إذ إن الإصلاحات السياسية والديمقراطية باتجاه إقامة دول مدنيّة ديمقراطية كفيلة بإنهاء أي شكل من أشكال التطرف الديني والطائفي الذي سيظل قائما طالما استمر الاستبداد واحتكار السلطة والثروة والتهميش السياسي لقطاعات شعبية واسعة، والأوضاع الاقتصادية المزرية.

Ad

فلا ذكر إطلاقا في تصريحات قادة الحلف الدولي لموضوع الإصلاحات السياسية والانفتاح الحضاري والديمقراطي وإطلاق الحريات، بل على العكس جميع التصريحات التي صدرت حتى الآن عن قادة الحلف تؤكد تشديد القبضة الأمنية، وتتجنب تماما أي إشارة إلى إصلاحات جذرية تطلق الحريات وتؤسس للدولة المدنيّة الديمقراطية التي تتسع للجميع، بالرغم من أن التاريخ قد أثبت فشل سياسة الدولة البوليسية في القضاء على التطرف الديني والمذهبي وتحقيق الاستقرار السياسي-الاجتماعي.

إذاً ما هدف الحلف الدولي الذي تجمع فيه أميركا حلفاءها التقليديين والدول التابعة لها بعد اعتذار روسيا، وهي عضو في مجموعة "بريكس" واعتذار إيران أو استبعادها؟ السؤال بصيغة أخرى هل صحيح أن الهدف هو القضاء على "داعش" كما هو معلن، أم أن هنالك أهدافاً أخرى غير معلنة تتخفى تحت شعار محاربة "داعش" وإخوانه الذي يبرزه الإعلام الرسمي هذه الأيام على طريقة "لا صوت يعلو على صوت محاربة داعش"؟!

إذا ما أخذنا في الاعتبار السياسة الأميركية المسماة "الفوضى الخلاقة" التي سبق إعلانها، والتي تهدف إلى تقسيم دول المنطقة إلى دويلات صغيرة طائفية ومذهبية وعرقية وإثنية متصارعة ومتحاربة، فربما يكون هدف الحلف الدولي رسم خريطة جديدة للمنطقة تضعف الدول الوطنية، وتحافظ على استمرارية مصالح أميركا ودول الغرب أي "سايكس-بيكو" جديدة، لا سيما أن الصراع الدائر في المنطقة هو صراع مصالح ونفوذ وليس صراعا طائفيا أو عرقيا كما يتوهم البعض.  

وربما هناك أيضا أهداف أخرى غير معلنة للحلف الدولي، حيث بات جلياً أن الأزمة الاقتصادية الرأسمالية تلقي بظلالها الثقيلة على اقتصاد أميركا ودول الاتحاد الأوروبي، فأصبحت هذه الدول غير قادرة ماليا على تحريك جيوشها لمناطق بعيدة، كما كانت تفعل في الماضي القريب، ولكن الشركات العالمية العملاقة المتعددة الجنسيات التي تملك مصانع الأسلحة الضخمة تضغط بقوة على متخذي القرار هناك، وتوجههم لحل أزمتها المالية الخانقة من خلال خلق بيئة مناسبة لانفجار صراعات مسلحة، وخلق بؤر توتر جديدة في مناطق مختلفة في العالم كما حصل في منطقتنا خلال العقود الثلاثة الماضية؛ حتى تتمكن من تسويق أسلحتها الضخمة المدمرة، والخروج من أزمتها المالية الخانقة، فهل تشهد المنطقة سباق تسلح جديدا يستنزف ثروات شعوبها وخيراتها؟!