«الدور الإرهابي» لمواقع التواصل الاجتماعي

نشر في 30-11-2014 | 00:01
آخر تحديث 30-11-2014 | 00:01
 ياسر عبد العزيز تتزايد المخاطر الناشئة عن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً بعدما تحولت بعض الممارسات عبرها إلى منصات لدعم الإرهاب والحض على الكراهية والعنف.

يتعاظم الدور الذي تلعبه تلك الوسائل يوماً بعد يوم، ويتزايد أثرها في حياة المجتمعات والأفراد، ورغم الفوائد والفرص الكبيرة التي باتت تمنحها تلك الوسائل لمستخدميها، فإن مخاطر وتهديدات متزايدة تنشأ عن سوء استخدامها.

مع تصاعد أثر شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) في تعزيز سبل الاتصال، وإتاحة الفرص لنقل الأفكار، وتسهيل الحصول على السلع والخدمات، برزت في السنوات الأخيرة تداعيات خطيرة لتلك الشبكة في ما يتعلق بتسهيل ارتكاب الجرائم، حتى بات هناك ما يعرف بـ "الجرائم الإلكترونية"، التي خصصت لها معظم دول العالم آليات لمكافحتها، كما تم سن قوانين عديدة لمواجهة التهديدات الناشئة عنها.

تعطينا مواقع التواصل الاجتماعي، التي يستخدمها نحو 88% من مستخدمي شبكة "الإنترنت" المثل الأوضح على إمكانية تحول الفرص الكبيرة إلى مخاطر جمة في بعض الأحيان.

ثمة تأكيدات كثيرة تشير إلى اعتماد "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) على مواقع التواصل الاجتماعي كآلية تجنيد وكسب تعاطف على نطاق واسع.

وتمتلك "حركة الشباب المجاهدين" في الصومال التابعة لتنظيم "القاعدة" حسابات عدة على "تويتر" و"فيسبوك"، تستقطب من خلالها الأتباع، وتحرض على العنف والكراهية.

وتعد مواقع التواصل الاجتماعي ميداناً خصباً لتأجيج النزاعات والحض على العنف والكراهية في مجتمعات عديدة، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط.

وقد أوردت صحيفة "ذا ديلي ميل" البريطانية في أحد أعدادها الصادرة عام 2012 أن ثمة 12300 جريمة مزعومة ارتبطت بموقع "فيسبوك" في عام 2011، مشيرة إلى أن "جريمة مفترضة تقع كل 40 دقيقة ارتباطاً بهذا الموقع".

تفيد إحصاءات موثوقة أنه تجري إضافة 250 مليون صورة يومياً على "فيسبوك"، كما تضاف 200 مليون تغريدة إلى "تويتر"، فضلاً عن أربعة مليارات مشاهدة فيديو يومياً عبر "يوتيوب"، وقد تم رصد آلاف الصفحات التي تحوي محتوى ذا صلة بالإرهاب على تلك المواقع.

نحن نعيش عصر وسائل التواصل الاجتماعي؛ التي باتت مؤشراً إلى حال التحول السريع في حياة الناس، كما باتت جزءاً حيوياً رئيساً من الطريقة التي يفكرون بها، ويكوّنون مواقفهم، ويتخذون قرارتهم، ويرتكبون الجرائم عبرها في بعض الأحيان.

على مدى الشهور الـ 12 الماضية، كرست مجموعة من الباحثين التابعين للمركز الدولي لدراسات الحركات الراديكالية (ICSR) نفسها لمتابعة نشاط نحو 190 من المقاتلين الأجانب في صفوف تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، وتوصلوا إلى نتائج مهمة في هذا الصدد.

لقد خلص هؤلاء الباحثون إلى أن شبكات التواصل الاجتماعي، خصوصاً "فيسبوك" و"تويتر" و"يوتيوب"، تمثل "مصدراً أساسياً للتجنيد والإلهام والمعلومات" لهؤلاء المقاتلين المبحوثين.

يقول السير ديفيد أوماند في كتابه "استخبارات وسائل التواصل الاجتماعي" إن "أحداث العنف التي اندلعت في بريطانيا في أعقاب مقتل أحد المواطنين على يد شرطي، في شهر أغسطس 2011، لم تكن لتحدث بذات الاتساع والتأثير لولا استخدام ناشطين لقنوات التواصل الاجتماعي في تأجيج حس العداء للشرطة والتحريض على الأعمال الإجرامية".

ويعتقد خبراء وباحثون متخصصون أن ثمة 2000 مقاتل أوروبي يقاتلون ضمن صفوف "داعش" في المناطق التي يحتلها، وأن 80% من هؤلاء تم تجنيدهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي بعض الدول العربية، تندلع حروب كلامية على مواقع التواصل الاجتماعي باطراد، ويجري استهداف متبادل بين الشيعة والسنة، أو المسيحيين والمسلمين، أو الفرقاء السياسيين في تلك المناطق بخطاب كراهية متكامل الأركان.

وينشط خطاب الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي أيضاً في دول مثل الهند بين أتباع الأديان المختلفة، وكذلك في ألمانيا حيث يقوم "النازيون الجدد" باستهداف "اليهود" أو "السود" بخطاب كراهية وتحريض عبر تلك الوسائل.

وفي بلد مثل مصر، تعد وسائل التواصل الاجتماعي منصة لتأجيج الطائفية أحياناً، وبسبب الأزمة السياسية في هذا البلد، يتم استخدام تلك الوسائل على نطاق واسع في التحريض على العنف ضد الدولة والمجتمع وقوى الأمن من جانب جماعات مثل "تنظيم الإخوان"، كما يتم شن هجمات مضادة ضد المعارضين السياسيين عبرها.

يفيد أي تحليل دقيق لمحتوى معظم وسائل التواصل الاجتماعي في أوقات الأزمات والاضطرابات وأعمال العنف أن تلك الوسائل تلعب دوراً تأجيجياً في كثير من الأحيان، خصوصاً أن المستخدمين عادة ما يكونون في مأمن من ملاحقة السلطات رغم ارتكابهم جرائم التحريض وإشاعة الكراهية.

تفيد الإحصاءات أنه من بين نحو 1.23 مليار حساب على "فيسبوك" ثمة 83 مليون حساب مزيف، كما يبلغ عدد الحسابات المزيفة على "تويتر" نحو 20 مليون حساب من إجمالي 500 مليون. يؤدي هذا إلى سهولة استخدام تلك الوسائط في شن هجمات الكراهية والتحريض على العنف من دون توقع أي مساءلة قانونية.

وإضافة إلى دورها الكبير في إتاحة الفرص للاتصال والتعبير الحر عن الآراء والمواقف، فإن مواقع التواصل الاجتماعي باتت أيضاً مصدراً للأخبار.

وقد شهدت الوظيفة الإخبارية لمواقع التواصل الاجتماعي أزهى عصورها، حينما تحولت إلى "بنية أساسية اتصالية" في دول التغيير العربي، التي شهدت الإطاحة بأنظمتها، من خلال أدوار مارستها تلك المواقع في الحشد والتعبئة وتنظيم المعارضة وبلورة الاحتجاجات وصياغة المواقف والشعارات.

تعطينا مواقع التواصل الاجتماعي أوضح مثل على إمكانية الاستخدام المزدوج لآلية تكنولوجية نافذة؛ إذ يمكن عبرها تعزيز الاتصال، وخلق الجسور بين الجماعات والأفراد والأمم، ويمكن أيضاً صناعة الكراهية وتأجيج العدوان.

علينا أن نفكر في طريقة ناجعة نستطيع من خلالها الحفاظ على الفضاء الحر الفعال الذي تتيحه تلك الوسائل للإنسانية من جانب، دون أن نمنح الفرص لبعض مستخدميها لتحويلها إلى معاول هدامة ومستودعات للكراهية ومنصات للعدوان.

* كاتب مصري

back to top