مكتبة الإسكندرية تحتفي بـ «جمال حمدان»
كتاب توثيقي يضمّ مفكرته وصوره ومراسلاته
رغم مرور نحو 22 عاماً على وفاة العالم الجغرافي المصري الشهير، الدكتور جمال حمدان (2 فبراير 1928- 17 أبريل 1993) صاحب موسوعة {شخصية مصر- دراسة في عبقرية المكان} لا يزال مثار شغف واهتمام الباحثين، لما عكسته حياته من نموذج فريد، في الزهد، والعزلة الاختيارية عن الناس وحب العلم، نحو 30 عاماً، والاستغناء عن مغريات الحياة طواعية، رفضاً لقيم المجتمع السائدة التي واجهها بالانغلاق على الذات، والانكفاء على أبحاثه في شقته المتواضعة في حي الدقي.
رغم مرور نحو 22 عاماً على وفاة العالم الجغرافي المصري الشهير، الدكتور جمال حمدان (2 فبراير 1928- 17 أبريل 1993) صاحب موسوعة {شخصية مصر- دراسة في عبقرية المكان} لا يزال مثار شغف واهتمام الباحثين، لما عكسته حياته من نموذج فريد، في الزهد، والعزلة الاختيارية عن الناس وحب العلم، نحو 30 عاماً، والاستغناء عن مغريات الحياة طواعية، رفضاً لقيم المجتمع السائدة التي واجهها بالانغلاق على الذات، والانكفاء على أبحاثه في شقته المتواضعة في حي الدقي.
احتفلت مكتبة الإسكندرية أخيراً بإصدار {جمال حمدان وعبقرية المكان} من إعداد الباحثين محمد غنيمة وأيمن منصور. الكتاب أشبه بدراسات وثائقية عن أشهر {رهبان العزلة} في عالمنا العربي المعاصر، ويحفل بوثائق شخصية خاصة بالعالم الجغرافي الدكتور جمال حمدان تنشر للمرة الأولى.يقع الكتاب في نحو 154 صفحة مقسمة على خمسة فصول، أردفها المؤلفان بعدد هائل من المراجع والمصادر الأولية التي تعدّ في مضمونها ببليوغرافيا متكاملة للدكتور جمال حمدان ومؤلفاته والمؤلفات التي نشرت عنه، بما فيها مسودات أبحاثه العلمية وأفكار مشروعات كتبه والخطابات المتبادلة بينه وبين أصدقائه وكبار الصحافيين في مصر والعالم العربي، بينهم محمد حسنين هيكل، أنيس منصور، أحمد بهاء الدين وغيرهم.
{محطات على الطريق}يتناول الفصل الأول من الكتاب {محطات على الطريق} حياة {حمدان} الشخصية، منذ نشأته الأولى بقرية {ناي} التابعة لمركز القليوبية، ثم انتقاله مع أسرته إلى القاهرة ودخوله المدرسة التوفيقية التي ظهرت فيها نجابته وحبه لعلم الجغرافيا، كذلك يستعرض فترة دراسته بجامعة فؤاد الأول {القاهرة حالياً} وكيف أحب الطالب جمال حمدان أستاذه الدكتور محمد عوض محمد، حتى أنه دوّن بخط يده كتاب {النيل} له. وفي هذا الفصل ينشر غنيمة ومنصور صوراً خاصة بـ{حمدان} خلال مراحل عمرية مختلفة، وبين زملائه في الجامعة، وشهادات ووثائق ومراسلات لم تنشر من قبل، بينها كراسات الطالب وقتها جمال حمدان التي تظهر حبه للخط العربي وتمكنه منه، إضافة إلى حياة {حمدان} في البعثة الدراسية بجامعة {رادنغ- بإنكلترا} التي كانت في السابق فرعاً من جامعة أوكسفورد ثم استقلت عنها تماماً عام 1926، ونيله الدكتوراه، مع مرتبة الشرف الأولى عام 1953، في فلسفة الجغرافيا، حول {سكان وسط النيل} ليصبح سادس باحث في العالم يكتب رسالة دكتوراه عن فلسفة الجغرافيا وقتها، بتشجيع من البروفسور {أوستين ميللر}، العالم الجغرافي الإنكليزي الشهير والمشرف على رسالته، الذي طلب منه العودة إلى مصر لاستكمال أبحاثه عام 1951 والعودة إلى الجامعة لاستكمال الدكتوراه عام 1953.{ثلاثون عاماً من العزلة}يتناول الباحثان في فصل كامل أسباب عزوف {حمدان} عن المشاركة الاجتماعية واختياره العيش وحيداً تحت عنوان {ثلاثون عاماً من العزلة}، وكيف عاش فقط في حب مصر، يبحث ويؤلف ويدرس الشخصية المصرية، عقب الصدمات المتتالية التي تعرض لها بعد عودته من بعثته الدراسية بالخارج، والتحاقه بالعمل عضواً في هيئة التدريس في جامعة القاهرة، وتقدمه بالاستقاله من عمله في الجامعة عام 1963 وعدم قبولها بها إلا بعد عامين، احتجاجاً على تخطيه في الترقية إلى وظيفة أستاذ مساعد، ففرض على نفسه عزلة اختيارية عن المجتمع، وتفرغ لدراساته وأبحاثه، مرددا عبارة: {لا أريد التعامل مع المجتمع، ولن أخرج من عزلتي، حتى ينصلح حاله، وإن كنت أتصور أن ذلك لن يحدث}.ويقول شقيقه الدكتور عبد الحميد حمدان، عن تلك الفترة، إن الأمور ساءت بالنسبة إليه في قسم الجغرافيا، بكلية الآداب، وبدأ الكل يتربص به، واضاف: {كان من سوء طالعه، أنه التقى تلك الديناصورات التي كان لها علاقة بالمسؤولين، ممن كانوا يعتبرون ذلك جواز مرورهم صوب اعتلاء المناصب بلا مجهود أو علم، ولم يقتصر الحال على تخطيه في الترقية، بل وصل الأمر، إلى حد منعه من تدريس مادته المفضلة- جغرافيا المدن- وتكليفه بتدريس مادة {الخرائط} لطلاب السنة الأولى، والتي عادة ما كان يقوم بها المعيدون، وعندما انتدب للعمل في جامعة القاهرة فرع {الخرطوم} بالسودان، وجد أحد زملائه ممن سبقه في العمل بالخرطوم، قد سطا على كتبه ومحاضراته وطبعها ووزعها على الطلاب على أنها من بنات أفكاره، فأصيب بالدهشة والصدمة، وبعدما أثبت أنه صاحب النصوص، وجد الأستاذ نفسه ينافسه على الترقية، ويحصل عليها قبله من دون وجه حق، فرأى أن ينسحب من هذا الميدان، وأن يترك الكعكة كاملة، وأن يكرس نفسه لمشروعه الكبير الذي كان يحلم به في أبحاثه العلمية}. {الجوائز والتكريم}وتحت عنوان {الجوائز والتكريم} يوثق الكتاب الجوائز والتكريمات التي حصل عليها {حمدان} بينها شهادة تقدير من {مؤسسة الكويت للتقدم العلمي} عام 1985، والمراسلات المتبادلة بين {حمدان} و{المجلس الأعلى للثقافة} بمصر، بمناسبة إبلاغه بحصوله على جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية لعام 1985، ورد {حمدان} برفضه للجائزة، لأنها قدمت له بشكل غير لائق، ولأنه كان يرفض كل ما يأتي من جهة رسمية بالدولة- حسب قول شقيقه في الكتاب. وفي نهاية الفصل يتناول الكتاب تحقيقاً بعنوان {علامات استفهام حول وفاته} أخذت فيه أراء كل من أخيه اللواء عبد العظيم حمدان، والروائي يوسف القعيد، وبعض ما نشر في الصحف والمجلات عن وفاته، ومجموعة من الصور النادرة لشقته بعد حادث الحريق، إذ يكشف يوسف القعيد، أن حمدان، {قبل وفاته، كان انتهى من ثلاثة كتب، أولها {اليهود والصهيونية وبنو إسرائيل} ويقع في نحو ألف صفحة، وكان من المفروض أن يأخذه ناشره يوسف عبد الرحمن، {العالم الإسلامي المعاصر} الذي أصدره عام 1965 ثم توسع فيه حتى صار كتاباً جديداً، والكتاب الثالث عن علم الجغرافيا، ولقد ذهبنا إلى شالكتب التي كانت موجودة ورأيتها بنفسي}. وأردف المؤلفان نهاية الفصل، بمقالة نادرة للدكتور جمال حمدان تحت عنوان {من إسرائيل إلى فلسطين جوانب استراتيجية في معركة العودة} وهي مقالة لم تنشر من قبل.{حمدان والجغرافيا}يستعرض غنيمة ومنصور في الفصل الثاني {حمدان والجغرافيا} رؤية حمدان لعلم الجغرافيا، ورؤيته الاستراتيجية، وتنبؤه في وثائقه الشخصية بثورة الشعب المصري ضد نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك، وبأن الثورة ستكون في غضون عام 2000 بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية للمصريين، وأيضاً تنبؤه بانهيار الاتحاد السوفيتي، وتراجع الساحل الشمالي لدلتا النيل، وصعود تيار الإسلام السياسي في بعض الدول العربية عقب الثورات.أما الفصل الثالث فيستعرض فيه الباحثان آراء {حمدان} في القضايا المصرية، ولعل أبرزها تناول الشخصية المصرية، السد العالي، المسلمون والأقباط ووحدة الحضارة والوطن، وبعض الرسائل التي أرسلها حمدان إلى الحكومة المصرية وإلى أقباط مصر والعالم الغربي .وفي الفصل الرابع يقارن الباحثان بين النسخ الأولى من كتاب {شخصية مصر} (1967) ثم كتاب {شخصية مصر الوسيط} الصادر في سبعينيات القرن العشرين ثم ملحمته الخالدة {شخصية مصر- دراسة في عبقرية المكان} والمكوّنة من أربعة آلاف صفحة، بمجلداتها الأربعة التي يقف وراءها 245 مرجعاً عربياً و791 مرجعاً أجنبياً، فضلا عن عرض مجموعة كبيرة من كتبه أبرزها: {بترول العرب}، {اليهود إنثروبولوجيا}، {استراتيجية الاستعمار والتحرير}، {العالم الإسلامي المعاصر}.في الفصل الخامس والأخير {من روائع مخطوطات حمدان} يلتقط غنيمة ومنصور بعض مسوداته وأهم أقواله في القضايا المصرية والعربية والعالمية، وهي أقوال لم تنشر من قبل، وينشران، للمرة الأولى، مجموعة من أعماله الإبداعية في الرسم والخط العربي. يذكر أن جمال حمدان كان يتولى تصميم أغلفة كتبه ورسمها، ما يجعل الكتاب إسهاماً جديداً في المكتبة العربية.