يبدو مكتب الميزانية في الكونغرس الذي يتعرض لضغوط الجمهوريين، أقل قدرة من الأكاديميين على اتخاذ خيار حيادي للنماذج، ويكاد يكون مؤكداً أنه سيختار نماذج تجعل خفض الضرائب يبدو مدهشاً، وعلى هذا الأساس سوف يدفع الجمهوريون نحو المزيد من خفض الضرائب.

Ad

قال الكاتب الإنكليزي، الذي اشتهر في القرن الثامن عشر صموئيل جونسون ذات مرة، إن «الوطنية» هي آخر ملجأ للنذالة، ولكن ذلك كان قبل وجود ما يعرف بالنموذج الاقتصادي، ويبدو أن الأوغاد عثروا على ملجأ جديد.

وفي الماضي كان الجمهوريون يجادلون من أجل تحقيق خفض في الضرائب وباستخدام مجادلات بسيطة، ومن خلال زيادة حوافز العمل فإن خفض ضريبة الدخل سوف يحسن الناتج المحلي الاجمالي، وقد يفضي ذلك ايضاً الى زيادة عوائد الضريبة إذا كنت تصدق آرثر لافر والخط الذي رسمه على مؤخرة ورقة منديل، ثم أصبحت هذه المجادلات تعرف باسم اقتصادات جانب الإمداد، أو «اقتصادات فودو» بحسب قول الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش.

وقد أخفقت الجولات المتكررة من تخفيضات الجمهوريين للضرائب في تحقيق هدفها كما فشلت بشكل ملحوظ في تحقيق النمو، وكل ما حصلنا عليه هو تداعيات كبيرة للديون الوطنية، ولكن الحقيقة لم تكن قط رادعاً قوياً بصورة خاصة بالنسبة الى الجمهوريين في الكونغرس، وعادت اقتصادات جانب الإمداد أو العرض بنبرة انتقام.

وفي شهر يناير الماضي وضعت الأكثرية النيابية من الجمهوريين تلك الفكرة في صورة قانون، تحت اسم سجل ديناميكي، وقام الجمهوريون بتعيين مدير جديد لمكتب الميزانية في الكونغرس هو كيث هول المخضرم من عهد ادارة جورج دبليو بوش، حيث سيكلف بتنفيذ السجل الديناميكي، وبكلمات اخرى طرح نماذج تقول إن خفض الضرائب مرعب.

ومن أجل الحصول على منظور حول هذه الخطوة يتعين علينا التوجه الى اقتصادي هارفارد غريغوري مانكيو الذي عمل أيضاً في ادارة جورج دبليو بوش ولا يحب الضرائب حقاً، ولذلك عندما يرتاب مانكيو بسياسة تهدف إلى تسويق خفض في الضريبة يجب أن نعلم بوجود شيء مريب.

هناك ثلاث مشاكل تجعل السجل الديناميكي على درجة من الصعوبة في الممارسة العملية، الأولى أن أي محاولة ترمي الى تقدير التأثير الذي يحدثه تغيير السياسة على الناتج المحلي الإجمالي تتطلب وجود نموذج اقتصادي، ولأن الأشخاص المنطقيين يمكن أن يرفضوا الموافقة على نموذج وأبعاده هم النوعية الأفضل، فإن النتيجة ستكون دائماً مثيرة للجدل.

والثانية هي وجود أسباب وجيهة لدى الاقتصاديين المكلفين من قبل الكونغرس لمتابعة سجل الديناميكية، كما توجد أسباب وجيهة أيضاً للحذر من هذا الجهد، أما الثالثة فهي أن مانكيو من النوع المحافظ، وأنا أقول بصراحة إن النماذج التي سيستخدمها مكتب الميزانية في الكونغرس سوف تكون سيئة.

ومن أجل القيام بهذه المهمة نحن في حاجة إلى نموذج ديناميكي يمثل طريقة أداء الاقتصاد بمرور الوقت، حيث تزخر الاقتصادات الضخمة العصرية بمثل هذه النماذج. وبوسع المرء اختيار النموذج المناسب له نظراً لأن معلومات الاقتصادات الضخمة هي بصورة نموذجية ضعيفة جداً وغير مفيدة بالنسبة الى اصدار حكم حول صلاحيتها، والأكثر من ذلك، أن لكل واحد من هذه النماذج عدداً من الحدود الخارجية التي تمثل كيفية استجابة الاقتصاد للأشياء، كما أن طائفة القيم المستخدمة في النماذج ضخمة جداً لأن أحداً لا يعرف النموذج الصحيح في المقام الأول.

ومن الأمثلة المشهورة ما كتبه عام 2004 إدوارد برسكوت الحائز جائزة نوبل في الاقتصادات الضخمة، بأن الضرائب العالية دفعت الأوروبيين إلى العمل بقدر أقل من الأميركيين، مبرراً قوله بنموذج من الاقتصادات الضخمة، وكان النموذج ذاته الذي نال من ورائه جائزة نوبل.

ومن أجل تفسير ساعات العمل الأقل لدى الأوروبيين كان على النموذج أن يفترض قيمة كبيرة جداً لحدود معينة أطلق عليها اسم مرونة «فريش» في عرض العمل، والتي تقيس بشكل أساسي مدى توقف ساعات عمل الناس على أجورهم.

وتناقض حصيلة برسكوت الدليل القائل بأن قيمة مرونة «فريش» أقل من الحد الذي أشار إليه، ولم يتم حتى الآن حل الجدل الناجم عن ذلك، ولكنه يظهر أن اختيارك لنموذجك يعني وجود القليل من الحدود بالنسبة إلى النتائج التي يمكن أن تحصل عليها، وهذا يعني أن كونك من المتحيزين سياسياً يمكنك أن تظهر دائماً أن سياستك الأقل تفضيلاً هي تدمير الاقتصاد، أو أن سياستك المفضلة يمكن أن تصنع المعجزات.

ويبدو مكتب الميزانية في الكونغرس الذي يتعرض لضغوط الجمهوريين أقل قدرة من الأكاديميين على اتخاذ خيار حيادي للنماذج، ويكاد يكون في حكم المؤكد أنه سيختار نماذج تجعل خفض الضرائب يبدو مدهشاً، وعلى هذا الأساس سوف يدفع الجمهوريون نحو المزيد والمزيد من خفض الضرائب.

وعندما يتبين خطأ النماذج قد ينتهي بنا الأمر إلى ديون وطنية أكبر من دون تحقيق تحسن كبير في النمو، ولكن إذا كان ذلك لم يزعج الجمهوريين قبل 15 سنة فمن غير المرجح أنه سيزعجهم الآن.

* Noah Smith