انشغل أهل السنة في العراق بالاعتراض على «أخطاء» الميليشيات الشيعية وانهمكوا في الشكوى من قسوة «داعش»، لكنهم لم يتحدثوا بعد، بما يكفي، عن محنتهم مع قوات البيشمركة الكردية، التي منعت بعض الأهالي العرب، من العودة إلى القرى التي جرى طرد «داعش» منها داخل المناطق المتنازع عليها شمال البلاد بين إقليم كردستان والسلطة الاتحادية في بغداد.

Ad

ويقول ساسة ووجهاء محليون، إن السُّنة حول نينوى غير قادرين على فتح جبهة جديدة مع الأكراد، فهم مشغولون بإزالة «سوء الفهم» مع الأميركيين الذين قاوموهم، ومع الشيعة الذين أخذوا منهم السلطة، ومع «داعش» الذي سامهم سوء العذاب لأسباب شتى، ولم تعد هناك إمكانية للاصطدام مع السلطة الكردية المحاذية لنينوى.

وفي اللقاء الذي جمع رئيس الإقليم مسعود البرزاني بشيوخ القبائل العربية المستوطنة في هذه المناطق الأحد الماضي، جرى حديث صريح فحواه أن بعض العرب ساندوا «داعش» وأخلّوا بواجباتهم كـ«أقلية» داخل أرض ستتبع كردستان لاحقاً، ولن يُسمَح لهم بالعودة إلى تلك المناطق.

والأمر لا يقتصر على كردستان، ففي كل المناطق التي تحررت من «داعش»، يظهر جدل حول «المتعاونين» وتضطر عائلات كثيرة إلى الهرب، لأنها وقفت مع الحركة المتطرفة في لحظة بدا أن «الخليفة» سيأخذ بحقوق السُّنة من «نظام بغداد الشيعي».

ونجح السُّنة في كشف مظلوميتهم في المناطق التي اجتاحها «الحشد الشعبي» الشيعي، بينما عجزوا عن الكلام الواضح في مناطق التماس مع البيشمركة الكردية، لأنهم لا يستطيعون مواجهة الشيعة والأكراد في وقت واحد، ولأن لديهم نحو مليوني نازح يقيمون في كردستان كمأوى مؤقت لا بديل عنه.

 وبمعزل عن قضية كركوك المعقدة، التي تظل من حصة حزب الرئيس السابق جلال الطالباني، يحرص البرزاني منذ سنوات على بناء تفاهم مع «عرب كردستان» المقيمين إلى جانب الأكراد والمسيحيين وبعض الشيعة والأيزيديين، في منطقة شديدة التنوع حول نينوى يطلق البعض عليها وصف «بلقان العراق»، وتزدهر فيها نحو 15 لغة محلية ومذاهب وأديان كثيرة، ويحرص الأكراد على ضمها إلى إقليمهم، لأن فيها حقول نفط مهمة، ولأنها تربطهم بشريط البلدات الكردية الممتد نحو سورية والمتواصل إلى كوباني التي ستصبح مدخل أكراد الجبل نحو البحر المتوسط.

لكن حرب «داعش» أوجدت ثأراً معقداً وأزمات عديدة، يحاول البرزاني تخفيفها مستعيناً بعلاقات طيبة ترعاها أنقرة مع عائلة النجيفي العربية السنية، لكن هذا لا يلغي حقيقة أنه ليس في يد عرب تلك المنطقة سوى الرضوخ للوقائع السياسية الجديدة، لأنهم حائرون في «متاهة» الحدود والبلدان والسلطات ومعادلات القوة والضعف التي تظهر وتختفي في طرفة عين، وهم عاجزون عن الإمساك بطرف تسوية بين استقطاب شيعي إيراني وغموض أميركي، ومشروع كردي هو الأوضح في العراق الحالي.