همجيون عند بوابات المزارع

نشر في 10-01-2015
آخر تحديث 10-01-2015 | 00:01
No Image Caption
المستثمرون النظاميون، مثل صناديق التقاعد، يرون الأرض الزراعية على شكل أرض خصبة، وهم يعقدون صفقاتهم الخاصة، أو يقومون بأعمال الزراعة لمصلحة صناديق متخصصة، ويتصرف البعض مثل ملاك الأرض، حيث يشترون الأرض ويؤجرونها إلى جهات أخرى.
 إيكونوميست خلال السنوات الأربعين المقبلة سوف يحتاج البشر إلى إنتاج كميات من الطعام تفوق الكميات التي أنتجوها خلال العشرة آلاف سنة الماضية، ولكن مع قيام المدن المنتشرة بالتهام الأرض الصالحة للزراعة تتناقص الإنتاجية الزراعية ويزداد الطلب على الوقود الحيوي، ولا يواكب العرض الطلب، والبارعون من المزارعين والعلماء والمقاولين يطرحون الأفكار بقوة، لكنهم في حاجة إلى المال لتحقيق هذه القفزة.

وقد لمس الممولون وجود ولع لدى شركات البيع والشراء لاقتناص هذه الفرص، وتم إغلاق بوابات المزارع بشكل تقليدي في وجه أسواق رأس المال: 9 من أصل 10 مزارع تملكها عائلات، ولكن الجانب الديموغرافي يفرض صورة من التحول: متوسط أعمار المزارعين في أوروبا وأميركا ونيوزيلندا وصل الآن الى أواخر الخمسينيات، وليس لديهم في أغلب الأحيان من يخلفهم لأن أولادهم لا يريدون العمل في الزراعة، أو أنهم غير قادرين على دفع ثمن حصص أفراد العائلة الآخرين. وإضافة الى ذلك فإن تطبيق تقنيات جديدة وزراعة على مستوى أوسع يتطلبان نوعاً من الرسملة لا تملكها سوى قلة من المزارعين حتى بعد سنوات من الارتفاع في أسعار المحاصيل.

المستثمرون النظاميون مثل صناديق التقاعد يرون الأرض الزراعية على شكل أرض خصبة وهم يعقدون صفقاتهم الخاصة أو يقومون بأعمال الزراعة لمصلحة صناديق متخصصة، ويتصرف البعض مثل ملاك الأرض حيث يشترون الأرض ويؤجرونها الى جهات أخرى، ويقوم آخرون بشراء أرض متدنية القيمة مثل المراعي ثم يعملون على تحسينها لتتحول إلى بساتين عالية المردود، ويتوجه المستثمرون الذين يستهدفون مجازفات أكبر وعوائد أعلى إلى أماكن مثل البرازيل وأوكرانيا وزامبيا، حيث تقنية الزراعة لا تزال غير متقدمة وإمكانات الإنتاجية هائلة.

كانت الأرض الزراعية استثماراً جيداً خلال العشرين سنة الماضية، وبالتأكيد في الولايات المتحدة، حيث وصلت العوائد الى 12 في المئة، ودفعت البعض الى وصفها بـالـ"ذهب في صورة قسيمة"، وفي الولايات المتحدة وبريطانيا- حيث شوهت الحوافز الضريبية السوق– تجاوزت الزراعة معظم فئات الأصول الرئيسية من حيث الأداء خلال العقد الماضي. ويحذر معارضو هذا المسار من فقاعة في سعر الأرض في حين يجادل المؤيدون في أن زيادة الطلب وانكماش العرض- وكذلك خط التحضر وضعف إدارة التربة وضغوط أنظمة المياه وما يشتمل عليه ذلك من تهديد بالنسبة الى الأرض الزراعية– يعني قوة واضحة لقضية الاستثمار.

ولا يقتصر الأمر على تحسن قيمة الأصول والأرباح من أجل اجتذاب رأس المال من الخارج، بحسب بروس شيريك من جامعة إيلينوي في أوربانا تشامبين: وينطوي التنوع في المحافظ التي توفرها الأرض الزراعية على القدر ذاته من الأهمية. وهذه المسألة ليست مرتبطة بالأصول الاسمية مثل الأسهم والسندات التي أثبتت مقاومتها النسبية للتضخم، وهي أقل حساسية إزاء الهزات الاقتصادية (يستمر الناس في تناول الطعام حتى خلال فترات الانكماش)، وكذلك بالنسبة الى ارتفاع معدلات الفائدة، ثم إن الأكثر من ذلك هو أن المستثمرين في أعقاب الأزمة المالية يتملكهم الشعور بالاطمئنان لحصولهم على أصول ملموسة وثابتة.

وقد انهمك البعض في العمل في الأساس، فطلب صندوق "هساد" وهو جزء من الصندوق السيادي القطري من بايداند غلوبال أغريكلتشر شراء نحو 50 مزرعة في أستراليا ودمجها في محفظة استثمار واحدة، كما أن تيرابن باليسادس، وهي شركة أسهم خاصة، اشترت شركة ألبان وبعض كروم العنب وحقول الطماطم في كاليفورنيا وحولتها كلها الى مواقع لزراعة اللوز الذي ارتفعت أسعاره بشدة نظراً لتعلق الشعب الصيني به، ويتطلب مثل هذا التحويل دفعة أولى وقدرة على البقاء من دون عوائد لعدة سنوات.

ويمكن لأسلوب الأسهم الخاصة أن يأخذ شكل تحسينات بسيطة، مثل تغيير نمط الري من الطرق العتيقة وشبكات الأقنية الى أنظمة الرش الآلية: وهذه العملية أشبه بقطف الثمار المتدلية، وفي وسع الروبوتات الغالية الثمن تحسين عملية حلب الأبقار بنسبة تصل من 10 إلى 15 في المئة، وباستخدام تحليلات المعلومات الواسعة من أجل زراعة وتنمية البذار يمكن زيادة إنتاج المحاصيل بنسبة 5 في المئة، ويقول دتلف شوين من أكيلا كابيتال وهي شركة استثمار بديل "هذه صناعة تنطوي الفجوة فيها بين القمة والقاع على أكبر قدر من التباين يفوق أي ميدان آخر".

وعلى الرغم من ذلك فإن 36 من الصناديق التي تركز على الزراعة، مع إدارة بقيمة 15 مليار دولار، تبدو ضئيلة مقارنة مع الـ144 صندوقاً التي تركز على البنية التحتية (89 مليار دولار) و473 تستهدف القطاع العقاري (163 مليار دولار) وفقاً لشركة بركن. كما أن تيا– كريف، وهي مجموعة مالية أميركية بارزة في هذا السوق، تملك ما يساوي 5 مليارات دولار من الأراضي الزراعية من أستراليا الى البرازيل ولديها مركزها الزراعي الأكاديمي في جامعة إيلينوي، وتقوم صناديق التقاعد الكندية وصناديق "ويلكم" البريطانية بتعضيد نشاطها الزراعي وتحسينه.

ويميل معظم المستثمرين الى التريث بسبب التعقيدات والمخاطر الكثيرة في هذا القطاع، وعلى سبيل المثال فإن الطقس وأسعار السلع وجودة التربة وقدرة الوصول الى المياه وصحة الحيوانات ليست النوعية التي تشجع مسؤول الاستثمار في صندوق التقاعد على المضي في هذا المسار، وتكثر المخاطر السياسية أيضاً: الحكومات التي تفتقر الى النقد في أوروبا والولايات المتحدة قد تعمد الى خفض المساعدات الزراعية، وفي الدول الفقيرة قد تعطي تراخيص الأرض حماية للمستثمر الأجنبي، إذا كانت تلك الدول تسمح بتملك الأجانب للأرض في المقام الأول.

ويشبه البعض هذا القطاع بما حدث للعقارات والبنية التحتية قبل عشرين سنة، فهو يفتقر الى المؤشرات والتقارير الاستشارية وسجلات الرصد والمتابعة، ولكن الزراعة، من خلال ناطحات السحاب أو خطوط الأنابيب، تقدم قلة من صفقات مليارات الدولارات اللازمة من أجل إغراء كبار المستثمرين وجذبهم.

ومن أجل تدفق المزيد من الأموال يتعين على الممولين والمزارعين تعلم بعضهم المزيد عن بعضهم الآخر، كما يتعين على مديري الأموال ممارسة العمل المرهق المتمثل بمعرفة المزيد عن المحاصيل، وتملك قلة فقط الخبرة الضرورية، ويتشاطر المزارعون بسرور قصصهم حول أحداث وول ستريت ويتساءلون عن كيفية وقوعها، وفي وسع المزارعين عمل المزيد من أجل اجتذاب رأس المال، من خلال السعي وراء صفقات مالية ترتبط حوافز المستثمرين فيها مع مصالحهم عبر مشاريع مشتركة على سبيل المثال.

ويتعين على المستثمرين أيضاً الفصل بين الحبوب وقشر الحنطة أو التبن، كما أن عملية الاستثمار في الزراعة تتطلب قدراً من الصبر وهي تختلف عن العمل التجاري، ولكن من يرغب في تجاوز الحواجز فقد يجني أرباحاً مجزية، وفكرة الاستثمار غاية في البساطة، وكما قال الكاتب مارك توين منذ زمن بعيد "عليكم بشراء الأرض فهي لم تعد تصنع بعد الآن".

back to top