مساعي بغداد وواشنطن لاستمالة العشائر قد تفشل

نشر في 17-11-2014 | 00:09
آخر تحديث 17-11-2014 | 00:09
No Image Caption
عدم الثقة يطبع العلاقات بين الحكومة والعشائر... والتردد الأميركي يحول دون تكرار نموذج الصحوات
كتبت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، في تقرير نشرته أمس، ان الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية والولايات المتحدة الأميركية لاستمالة العشائر السنية في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف بـ»داعش»، قد تكون متأخرة، وانها على الأرجح ستواجه الفشل.

ولفت التقرير الى أنه خلال عمليته السريعة لتوحيد المناطق السنية في العراق وسورية تحت راية «الدولة الإسلامية»، استخدم «داعش» استراتيجية مزدوجة لكسب طاعة العشائر السنية، فقد استخدم من جهة المال الوفير والأسلحة لإغراء زعماء العشائر للانضمام الى «دولة الخلافة»، ومن جهة اخرى قام بملاحقة جنود وضباط الشرطة والمسؤولين الحكوميين، وأولئك الذين تعاونوا مع الولايات المتحدة خلال وجودها في العراق، للقضاء على معارضيه وإرهاب خصومه المحتملين.

والآن تسعى الحكومة العراقية والولايات المتحدة بشكل عاجل لحشد العشائر السنية لقتال «داعش». ويعترف مسؤولون بأن النجاح في خطب ود حلفاء جدد من السنة لا يزال ضئيلا، في ظل فشل تسليح وإمداد العشائر التي كانت تقاتل اصلا الى جانب الحكومة، مضيفين ان انعدام الثقة تجاه نوايا الحكومة في بغداد والتشكيك في قدرتها على حماية العشائر دفعا معظم العشائر الى التعاطي بحذر مع هذه المحاولات.

ويقول المحلل في معهد العراق لدراسات الحرب أحمد علي إن «هناك فرصة للحكومة للعمل مع العشائر، لكن الحقائق على الأرض تظهر أن داعش قد تسلل داخل هذه المجتمعات واستنزف قدرتها على معارضته والقيام ضده»، مضيفا أن «الوقت ليس لصالح الحكومة العراقية».

ويشير التقرير الى أن نجاح «داعش» في المناطق السنية يأتي من قدرة التنظيم على التلاعب بالديناميات التي تحرك العشائر السنية، فهو صور نفسه كمدافع عن السنة الذين تعرضوا لسنوات لسوء معاملة واضطهاد وتهميش واحيانا قتل من قبل الحكومة ذات الأغلبية الشيعية.

وعرض التنظيم على العشائر الأموال والاسلحة، ما يتيح لهم الحكم الذاتي في مناطقهم طالما بقوا موالين له ومبايعين لزعيمه. وفي هذا السياق يقول المحللون إنه على الحكومة العراقية أن تقدم عرضاً أفضل من عرض «داعش».

في المقابل، قام التنظيم، خلال توسعه الى مدن ومناطق جديدة، بالقضاء على مؤيدي الحكومة المحتملين. ويقول سكان المناطق التي سيطر عليها التنظيم إن الأخير غالبا ما كان يملك لوائح ووثائق بأسماء الجنود وضباط الشرطة، وإذا فر هؤلاء قبل قتلهم، فإن الجهاديين يفجرون منازلهم للتأكد من أنهم لن يعودوا مجدداً. ويشير السكان الى أن مقاتلي «داعش» يستخدمون قواعد بيانات على الكمبيوتر في نقاط التفتيش التابعة لهم، للتعرف على أولئك الذين عملوا لحساب الحكومة.

ويقول أحد زعماء قبائل البونمر، التي تسكن في الأنبار، الشيخ نعيم الكعود إن مقاتلي داعش يملكون لوائح بأسماء المطلوبين لديهم أكثر تنظيما من تلك العائدة الى أجهزة مخابرات الدولة.

وتعرضت العشائر، التي انتسبت في السابق الى الصحوات السنية التي شكلت لقتال «القاعدة» وكانت مدعومة من واشنطن، لأقسى عقاب من «داعش». ومن هذه العشائر قبيلة البونمر التي تعرضت للتهجير واعدم المئات من ابنائها بعد استيلاء «داعش» على  قضاء هيت في الأنبار الشهر الماضي.

وقد جاء هذا الانتقام ليعزز بروباغندا «داعش» التي تضع السنة أمام خيارين لا ثالث لهما، إما أن يكونوا مع التنظيم أو ضده.

وفي رسالة صوتية بثت أخيراً، يسأل المتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني: «ما جنى السنة من انضمامهم إلى هذا الجيش (الجيش العراقي والصحوات) غير الردة عن دين الله، وتدمير منازلهم وقطع رؤوسهم؟»، وحث أبناء العشائر على «الالتفاف حول المجاهدين، وعدم الانضمام إلى الجيش ومجالس الصحوة».

ولا يزال عناصر من مجالس الصحوة والعشائر الموالية للحكومة تقاتل إلى جانب الجيش على عدد قليل من الجبهات، على الرغم من شكواهم بأنهم يفتقرون إلى الدعم.

ويذكر المسؤول المحلي في الشرطة العراقية المكونة من مقاتلي العشائر في الرمادي الشيخ مؤيد الحميشي: «نحن نعلم الكثير عن داعش من هم ومن اين جاؤوا، لذلك نحن الوحيدون القادرون على محاربتهم في الأنبار».

ويلفت محللون الى أن العشائر التي التحقت بـ»داعش» لم تفعل ذلك كونها تتبنى أيديولوجيته المتطرفة، وبالنسبة للغالبية، كان مجرد قرار عملي للتحالف مع سلطة يعتقدون انها ستجلب لهم مزيدا من الأمن وتقدم لهم الموارد اللازمة لرجالهم.

وافاد شيخ قبيلة العبيدي المناهضة لـ»داعش» وصفي العاصي: «لا يمكن أن ننكر أن هناك عددا كبيرا من أبناء العشائر مع داعش»، مضيفا: «لكن وجود بعض ابناء العشيرة في داعش لا يعني أن العشيرة كلها التحقت بالتنظيم».

ولفت التقرير الى أنه من غير الواضح اذا ما كانت جهود الحكومة العراقية لتسليح العشائر ستتواصل على المدى الطويل، ففي السابق ساعد الدعم المالي والميداني الأميركي «الصحوات» على النجاح، لكن الآن تفتقر عملية تسليح العشائر الى هذين العاملين بالذات. ويقول مسؤولون أميركيون إن الولايات المتحدة تشجع هذه العملية، إلا أن الأسلحة والرواتب يجب أن تأتي من الحكومة العراقية.

رئيس الوزراء حيدر العبادي يدعم تسليح العشائر، لكن العديد من حلفائه السياسيين يعارضون ذلك، خوفا من أن تصل الأسلحة الى الجهاديين أو انضمام المقاتلين المدربين الى «داعش».

اما من جانب العشائر فيسيطر شعور عدم الثقة في الحكومة، لكن الجميع يقرون بأن وحشية «داعش» تجاه السنة قد حولت الناس ضده.

وفي الأسبوع الماضي، توجه رئيس البرلمان السني سليم الجبوري إلى قاعدة الأسد الجوية التي تحيط بها أراضي «داعش» في محافظة الأنبار، لطمأنة زعماء العشائر الموالين للحكومة بأن المساعدات ستأتي، لكن قبل أن يغادر القاعدة اعترف الجبوري برفض أطراف عدة داخل الحكومة تسليح العشائر.  وقال في هذا السياق: «هناك شكوك وعدم ثقة بانهم يعتقدون أن يوما ما ستستخدم هذه الأسلحة ضد الحكومة».

(نيويورك تايمز)

back to top