لا أعرف ما اذا كان هذا التباين بين حياتين لا تربطهما علاقة متزنة ظاهرة عربية فريدة في هذا الزمن تحديدا أم أنها كانت مشابهة لظواهر تاريخية سابقة، ولكنها ظاهرة تستحق البحث فعلا. هناك في عالمنا العربي اليوم انقسام واضح وشاسع بين التخلف التام والتقدم شبه التام، كي أكون دقيقا، هناك عالمان متناقضان من الحرية والقيد، من الارتداد والانطلاق، من السواد القاتم والبياض الأخاذ.

Ad

هناك من يعمل جاهدا للعودة بنا الى ما وراء الوراء وهناك من يبعث فينا الأمل أننا أمة لديها ما يستحق أن تعيش من أجله. قد يبدو هذا التناقض مزعجا ويسير بنا الى نهايات مريعة لكنني على ثقة كبرى بأن الحياة لا تقبل العودة الى الوراء ولا تستقيم الا في تقدمها الطبيعي، وما نعانيه اليوم من انقسام حياتنا بين ظلمة ونور هو طريقنا الوحيدة نحو القضاء على الظلام.

الشباب الأجمل الذين يحملون على عاتقهم مشعل النور ويخوضون غمار حرب ضد الظلام لا يمكن لنا أن نتجاهل ما يقومون به، ومن يعمد على التقليل من دورهم العظيم هو بالتأكيد لا يمتلك رؤية حقيقية لما يحدث. نعم بامكان ديوان شعر صغير هنا أن يشعل شمعة وبامكان رواية هناك أن تضيء قنديلا، والاصرار على هذا الانتاج والعمل على الاخلاص له هو سبيلنا الوحيد وسلاحنا الأوحد الذي نجيده. كل عمل يصدر في هذه الظروف الصعبة هو ابداع يستحق الثناء وحين يكون الاصدار ابداعا حقيقيا فهو يستحق الثناء والاطراء.

ذلك ما يستحقه عمل الزميلة الشاعرة البحرينية منى الصفار "أحبك والمرآة بيننا"، ليس لجرأته الاستثنائية في الخوض في العلاقات الشائكة بين الأنا والآخر، وبين الأنا والمكان، وليس لحداثته المتقنة بخبرة الشاعرة وتجربتها، وانما لكل ذلك مجتمعاً.

منى الصفار في عملها الثالث تضع بصمة خاصة لجملتها الشعرية وطرحها الشعري لتضيف تلك التجربة الى تجارب زميلات شكلن في الخليج، تحديدا، مدرسة نسوية مهمة تستحق عناء البحث والدراسة، وهو بالتأكيد اضافة للتجارب العربية والتي تمتلك خصوصية المكان وتشترك بخاصية الهم الوجودي.

هذه الحوارية بين الأنا والآخر تكاد تضيء العلاقة المتبادلة بين الذات ونقيضها أحيانا في تضحيات صغيرة لا يجيد الآخر تقديرها جيدا. "على المخدة/ أترك لكفيك تفاحتين/ وأحمل باقي جسدي / الى سلة المهملات".

انها علاقة شائكة لا تكتمل كما ينبغي ولا تنفصل كما يجب ولكنها تعيش تناقضها الطبيعي بين مد الحب أحيانا وجزر البعد أحيانا أخرى. "كل هذه الفخاخ منصوبة لأجلى/ بمسميات كثيرة / الشعر، الحب، الغيم وأنت".

المشترك في العمل والذي قد يصلح ليكون نواة أو فكرة تستحق الاشارة بشكل موسع هو الوحدة الذي يبدو انها أحد هموم المرأة/ الشاعرة والذي تلتقي فيه منى الصفار مع زميلات قرأت أعمالهن في الآونة الأخيرة والبحث عن الذات المستقلة القائمة بذاتها لذاتها وليس كرديف للآخر أو تابع له. هي فكرة لا يتفق معها الذي يرى في المرأة كائنا لا يجيد الحياة من دونه ولا يتفق معها بالتأكيد الذي يقاتل اليوم لإعادة عصر الحريم والجواري.

"أضعك في الثلاجة واتركك حتى تتجمد / آن لي أن أتركك على الرصيف/ تنهشك المارة/ ولا أكترث".