أوضاع اليمن مرعبة... والقادم أعظم
ربما بعض الذين يعتبرون أنفسهم متابعين ومعنيين بالشؤون اليمنية، التي تُمسي كل يوم على شيء وتصبح في اليوم التالي على شيء آخر أشد خطراً ومأساوية مما كان في اليوم السابق، لم يدركوا بعد، أو أنهم لا يريدون إدراك أن هذا البلد بات بمنزلة لغم كبير لو انفجر، والواضح أنه سينفجر إن لم تتدخل عناية الله وتقع معجزة، فإن شظاياه ستطال الدول الخليجية كلها، إضافة إلى دول القرن الإفريقي، هذه الدول التي تتكئ على أرائك من سندسٍ وإستبرق، وتظن أن هذه الزلازل التي تضرب اليمن ستبقى في اليمن بعيدة عنها ولن تطالها!فهل يا ترى العرب المعنيون وأولهم المسؤولون في دول الخليج العربي، أو في دول الخليج العربية، لا يرون أن إيران هي التي تقف وراء ما يجري في اليمن، وأنها بعد استكمال مخططها هناك، الذي قطعت منه شوطاً طويلاً، واقتربت من أن تحقق ما تريد تحقيقه، ستتجه إلى المنطقة كلها، وستبدأ بالدول التي تعاني فعلاً أوجاعاً داخلية كثيرة، ومما يمكن تسميته، وفق الروائي المبدع اللبناني – الفرنسي، أمين المعلوف، "الهويات القاتلة"؟!
والمستغرب أن هناك من لم يدرك بعد، حتى في اليمن نفسه، أن إيران، التي أشعلت نيران هذه الفتنة، مستعينة ببعض التشوهات السياسية، وأولها علي عبدالله صالح، ومن يدور في فلكه من الفاسدين والمفسدين، تسعى إلى إحياء واقع "التشطير" الذي من المفترض أنه ذهب من دون أيِّ رجعة بإنجاز وحدة عام 1990. وهنا فإن ما يخيف فعلاً هو ألا تقف الأمور عند العودة إلى واقع الدولة الجنوبية وعاصمتها عدن، والدولة الشمالية وعاصمتها صنعاء، بل إنها قد تتعداها بحيث يصبح كل إقليم من الأقاليم المقترحة دولة مستقلة تنخرط في حرب بلا نهاية مع الدويلة أو الدويلات المجاورة.لم يتعامل علي صالح، الذي لديه دهاء وألاعيب قادة العصابات وقطّاع الطرق، ولكنه لا يملك إطلاقاً أي أفق سياسي "استراتيجي"، اللهم إلا أفق الفساد ونهب الأموال وشراء ذمم المعارضين والموالين على حد سواء، في عام 1990، مع الجنوب الذي بعدما انهارت "ماركسيته" وتقاتل "ماركسيوه" حتى أفنى بعضهم بعضا، لم يتعامل بالاحتضان وروح الأخوة، بل بعنجهيةٍ بدائية وأمية سياسية، وعلى أساس أنه المنتصر، وأن الذين وضعوا مقاليد أمورهم بين يديه مهزومون... وهكذا إلى أن أصبحت العودة إلى "التشطير" مطلباً وطنياً بالنسبة إلى الجنوبيين، ولم يجد "الرفيق" علي سالم البيض بداً من أن يتخلى عن موقع نائب رئيس الجمهورية ويغادر البلاد، وينتهي من "ماركسي"، لا يقعقع له بشنان إلى مذهبي بائس وضع تاريخه "النضالي" كله في يد الولي الفقيه في طهران، وعند أقدام حسن نصرالله في ضاحية بيروت الجنوبية.إذا تشظى اليمن، ونسأل الله خاشعين له ألا يكون هذا ولا يتحقق، فإن كل الدويلات البائسة التي سينتجها ستتحول إلى قواعد إرهابية، على غرار واقع الحال في مناطق تداخل الحدود العراقية – السورية، حيث هناك دولة "داعش" ودويلات مماثلة ناشئة كثيرة، وعندها فإن بحر العرب ومعه الخليج العربي والبحر الأحمر أيضاً امتداداً، عبر قناة السويس إلى البحر الأبيض المتوسط، سيتحول إلى مجالٍ حيوي للقرصنة والقراصنة، وستصبح إيران، التي ستكون "القرصان" الكبير، تتحكم بالإضافة إلى "مضيق هرمز" في باب المندب، وربما في مداخل ومخارج قناة السويس الجنوبية.إن هذا ليس هذياناً سياسياً، إنه استنتاج موضوعي لما ستكون عليه الأمور إذا نجح الإيرانيون في مخططهم الجهنمي هذا الذي قطعوا شوطاً طويلاً في تنفيذه، فأوضاع اليمن لم تعد خطيرة فقط، بل مرعبة أيضاً، ولهذا فإنه على المعنيين في الدوائر الأوسع أن يتحسسوا رؤوسهم، وأن يتذكروا أن هناك مثلاً عربياً يقول: "أُكلت يوم أُكل الثور الأبيض"!