استندت المحكمة الكلية إلى أن الجزاءين الجنائي والإداري، يخضعان لمبدأ شخصية العقوبة، وأنه لا تزر وازرة وزر أخرى، والجرائم والمخالفات الإدارية،

Ad

لا يؤخذ بجريرتها غير جُناتها، والعقوبات شخصَّية، لا تُنفذ إلا فيمن أوقعها.

أكدت دائرة مجلس تأديب المحامين في المحكمة الكلية، المختصة بتأديب المحامين المحامين ومحاكمتهم، أن المجلس وحده صاحب الاختصاص الأصيل والقول الفصل فيما يُسند إلى أي محام من إخلال بواجبات مهنة المحاماة، وصولاً إلى تقرير براءته أو إدانته، من ثم مجازاته بإحدى الجزاءات التأديبية التي حددها القانون، وأنه لايجوز للنيابة العامة حفظ التحقيق في الدعوى التأديبية الخاصة بالمحامين قياساً على حفظ التحقيق في الدعوى الجزائية.

وجاء تقرير دائرة مجلس التأديب، على خلفية نظرها في إحدى الدعاوى المقامة ضد أحد المحامين أصحاب المكاتب، وقضت ببراءته من مخالفة الإخلال بواجبات مهنته، على خلفية الشكوى المقامة ضدّه من أحد الوافدين الأجانب، الذي وكَّل القسم الأجنبي في مكتب هذا المحامي، وذلك بعد أن طالبت النيابة العامة، مجلس التأديب بمجازاة المشكو في حقه بمقتضى المادتين 22 و 35 من القانون رقم 42 لسنة 1964 المعدّل بشأن تنظيم مهنة المحاماة أمام المحاكم.

وتعود الواقعة إلى أن النيابة، استندت إلى ما قرّره الشاكي في تحقيقاتها، بأن الأخير التحق في 30 يونيو عام 2006، بالعمل لدى إحدى الشركات كميكانيكي سيارات، وفي 9 أكتوبر عام 2006 تعرَّض لإصابة عمل أثناء قيادته إحدى سيارات الشركة، بسبب تعطل نظام الكوابح فيها، ما تسبب في عجز في ركبته اليسرى بنسبة 10 في المئة، من قدرة الجسم الكلية.

من ثم، وبحسب تحقيقات النيابة، توجَّه هذا الوافد إلى مكتب المحامي الكويتي (المشكو في حقه)، والتقى مسؤول القسم الأجنبي لديه، وهو مستشار قانوني أميركي الجنسية، ووقّع معه اتفاقية تمثيله قانونيا لرفع دعوى قضائية عن تلك الإصابة، نظير أتعاب محاماة مقدارها 1500 دينار كويتي، وسدّد نصف الأتعاب عند توقيع الاتفاقية، ثمَّ وكَّل المشكو في حقّه، بموجب التوكيل لاستكمال الإجراءات القانونية، لكن لم يتم رفع أية دعوى قضائية له، فتوجه إلى مكتب محاماة آخر، تولى رفع الدّعوى له، إلا أنه  خسرها، بسبب فوات الميعاد القانوني، واختتم أقواله بأنه لم يلتق المشكو في حقّه أبدا، وأن كل تعامله كان مع مسؤول القسم الأجنبي في مكتبه.

مسؤولية المحامي

وقالت المحكمة الكلية في حيثيات حكمها، إن المادة 22 من القانون رقم 42 لسنة 1964، بشأن تنظيم مهنة المحاماة أمام المحاكم، تنصّ على أن المحامي مسؤول قبل موكله عن أداء ما عُهد به إليه، طبقا لأحكام القانون وشروط التوكيل، كما تنصُّ المادة 35 من القانون ذاته، على أنه «مع عدم الإخلال بأي عقوبة ينصّ عليها قانون الجزاء، أو أي قانون آخر، ودون الإخلال بالمسؤولية المدنية، يُعاقب على الإخلال بأحكام هذا القانون أو بواجبات المهنة أو الحطّ من قدرها، والنّيل من شرفها، بأي تصرّف شائن بإحدى العقوبات التأديبية الآتية: (1) الإنذار،(2) اللوم، (3) الوقف لمدة لا تزيد على ثلاث سنوات، (4) محو الاسم من الجدول.

وأضافت المحكمة أنه «يُعد من قبيل الإخلال بأصول وشرف المهنة، إفشاء أسرار الموكل، والتواطؤ مع الخصم، وعدم تسديد الرّسوم التي دفعها الموكّل، وعدم تسليم الحقوق التي تمّ قبضها نيابة عن الموكل، وعدم المحافظة على أصول المستندات، والامتناع عن ردّ الأوراق والمستندات دون مسوغ قانوني، والإهمال الجسيم في أداء الواجب الذي يترتب عليه ضياع الحقوق، أو سقوط مواعيد الطعن، والتوقيع على صحف الدعاوى دون أن يكون للموقّع الحقّ في ذلك».

وأوضحت المحكمة أن الأساس القانوني للمسؤولية التأديبية للمحامي، إنما يستند إلى الدور الذي يقوم به في خدمة مرفق القضاء، وأن أيّ إخلال منه بهذا الدور، تنهض به مسؤوليته التأديبية، سواء كان ذلك بسبب الإخلال بعلاقته بموكله أو بالقضاء أو بزملائه من المحامين، أو بسبب الإخلال بواجبات مهنته، أو الحطّ من قدرها أو النّيل من شرفها، أو بسبب القيام بشكل عام بأي تصرف شائن، لا يتّفق مع كرامة مهنة المحاماة أو تقاليدها أو أخلاقها الحميدة.

شخصية العقوبة

وذكرت أن الجزاءين الجنائي والإداري، يخضعان لمبدأ شخصيّة العقوبة، باعتبار أنه «لا تزر وازرة وزر أخرى»، فالجرائم أو المخالفات الإدارية كلاهما، لا يؤخذ بجريرتها غير جُناتها، والعقوبات أو الجزاءات الإدارية شخصية مَحضة، لا تُنفذ إلا في نفس من أوقعها، ولا تتحمّل الاستنابة.

وبينت المحكمة أن القاضي التأديبي من المقرر أنه يتمتّع بحرية كاملة في مجال الإثبات، وتكوين عقيدته من أي عنصر من عناصر الدّعوى، وأنه يكفي أن يتشكّك في صحة المخالفة التأديبية لكي يقرر البراءة، إذ إن مرجع الأمر في ذلك، ما يطمئن إليه من تقدير الدّليل، مادام الظاهر من قراره أنه محّصَ الدعوى، وأحاط بكل ظروفها وبأدّلة الثّبوت فيها، ووازنَ بينها وبين أدلة النفي، فرجّح دفاع المشكو في حقه أو داخلته الرّيبة في عناصر الإثبات.

وقالت المحكمة: إنه لما كان ما تقدّم وترتيبا عليه، وكان مجلس التأديب -بعدما أحاط بواقعة الدّعوى عن بصر وبصيرة، وتفكّر في أدلتها ثبوتا ونفيا- لا يساير النّيابة العامة في المخالفة التأديبية المسندة إلى المشكو في حقه، ولا يرى أنه أخلّ بواجبات مهنة المحاماة بأي شكل من الأشكال، وآية ذلك أن الثابت من الأوراق، وما تمّ فيها من تحقيقات، أن اتفاقية التمثيل القانوني، تمّ توقيعها بين الشاكي والمستشار القانوني مسؤول القسم الأجنبي في مكتب المشكو في حقه، والذي قرّر أنه لا يتذكر ما إذا كان قد أبلغه بموضوع الشاكي من عدمه، وأن الاحتمال الأكبر هو أنه لم يبلغه به، ولم يسلّمه شيئا من أتعاب المحاماة التي تقاضاها من الشاكي ومقدارها 750 دينارا.

وأضافت أن الشاكي بنفسه قرّر أنه لم يلتق المشكو في حقه أبدا، وأن كلّ تعامله كان مع مسؤول القسم الأجنبي بمكتبه فقط الذي كان يمنعه من مقابلته، وقد تأيّد ذلك وتأكّد بما جاء على لسان المشكو في حقه -وهو ما يطمئن إليه المجلس ويأنس فيه الصدق- من أنه لا علم له بهذا الاتفاق نهائيا، وأن أيّا من الشاكي أو مسؤول القسم الأجنبي بمكتبه لم يبلغه به حتى يقوم برفع الدعوى القضائية، موضحا أن الأخير يمارس عمله مع الموكلين الأجانب، في طابق مختلف عن الطابق الذي يتواجد هو فيه، بالتالي، لا يمكن القول بوجود أي إهمال أو تقصير من المشكو في حقه في أداء واجبه قبل الشاكي، هذا من جهة.

المسؤولية الإشرافية

ومن جهة أخرى، فمن المقرر أن المسؤولية الإشرافيّة، ليس معناها تحميل الرّئيس بكل الأعمال التي تتم من مرؤوسيه، إلا إذا ثبت بالدليل اليقيني وجود خطأ شخصي من جانبه في إشرافه عليهم (يُراجع في هذا المعنى حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن رقم 3651 لسنة 40 قضائية جلسة 31 مايو 2003)، وإذ خلت الأوراق مما يثبت إهمال أو تقصير المشكو في حقه في إشرافه على الشاكي الذي يُعد أحد مرؤوسيه العاملين في مكتبه، الأمر الذي تكون معه أركان المخالفة التأديبيّة غير متوافرة قبل المشكو في حقّه، ومن ثم فإن المجلس يقرر براءته عملاً بالمادة 41 من القانون رقم 42 لسنة 1964 المعدّل بشأن تنظيم مهنة المحاماة أمام المحاكم.

وحيث أنه عن الدفع المبدى من المحامي المشكو في حقه، بعدم جواز نظر الدعوى التأديبية لسابقة صدور قرار من النيابة العامة بتاريخ 15/3/2012 باستبعاد شبهة الإخلال بواجبات مهنة المحاماة قبله، وعدم حُجيَّة القرار الصادر من محكمة الجنح المستأنفة – في غرفة المشورة – بتاريخ 15/6/2014 بإلغاء قرار النيابة العامة سالف الذكر لعدم اختصاصها ولائياً بنظره، فإن المادة (36) من القانون رقم 42 لسنة 1964 المعدَّل بشأن تنظيم مهنة المحاماة أمام المحاكم، تنصُّ على أن «ترفع النيابة العامة الدعوى التأديبية من تلقاء نفسها أو بناءً على طلب وزير العدل أو رئيس المحكمة الدستورية أو رئيس محكمة التمييز أو رئيس محكمة الاستئناف أو رئيس المحكمة الكلية أو جمعية المحامين».

وبحسب المادة (37) «يكون تأديب المحامين من اختصاص مجلس، يُشكل من رئيس المحكمة الكلية أو وكيلها رئيسًا، ومن اثنين من قضاتها تعيّنهما جمعيتها العمومية كل سنة، ومن محاميين يختارهما مجلس إدارة المحامين لمدة سنة واحدة قابلة للتجديد» مفادهما بأن المشرِّع أوكل إلى مجلس تأديب المحامين النَّظر في الدعوى التأديبية الخاصة بهم، وأن المجلس وحده صاحب الاختصاص الأصيل والقول الفصل فيما يُسند إلى أي محام من إخلال بواجبات مهنة المحاماة، وصولاً إلى التقرير ببراءته أو إدانته، ومن ثم مجازاته بإحدى الجزاءات التأديبية التي حددها القانون.

ولا يجوز للنيابة العامة، بحسب تلك المادة، حفظ التحقيق في الدعوى التأديبية الخاصة بالمحامين قياسا على حفظ التحقيق في الدعوى الجزائية، وفقاً للمواد من (102) إلى (104) مكرراً، ذلك أن الدعوى التأديبية مستقلة عن الدعوى الجزائية، باعتبار أن كلا منهما تختلف عن الأخرى من حيث الإجراءات والأفعال المعاقب عليها والعقوبات المقررة لها، وأن لكل من الدعويين أركانها الخاصة وطبيعتها المتميزة، وبالتالي لا يجوز الخلط بينهما بأي شكل من الأشكال، لاسيما وأن القانون رقم 42 لسنة 1964 المعدَّل بشأن تنظيم مهنة المحاماة أمام المحاكم خلا من أي نصِّ يسمح للنيابة العامة بحفظ التحقيق».