أخذني التأمل والتفكير إلى ما قد يبحث عنه الناس في أي بلد يعيشون بين ظهرانيه، فوصلت إلى نتيجة أن الناس، على الجملة، يبغون الوصول إلى حاجاتهم الأساسية من مشرب ومأكل وملبس، ثم يسعون إلى استكمال الحصول على الأمن والأمان اجتماعياً ووظيفياً ونفسياً، وبعدها ينطلقون في رحلتهم البشرية الطبيعية في محاولة تحقيق طموحاتهم بالحصول على المزيد، سواء على صعيد المال أو العلم أو الوظيفة أو الشهرة والمكانة المجتمعية.

Ad

تنزهت في أحد الصباحات الباكرة (الجمعة 7/11) على ضفاف بحيرة خالد في مدينة الشارقة، حيث كنت هناك يومها لحضور معرض الكتاب الدولي. كان صباحاً جميلاً هادئاً، والهواء عليل ومنعش، امتزج جمال تلك اللحظات بأصوات طيور النورس المحلقة قريباً من سطح الماء، وتحليق ونعيق الغربان المشاغبة التي كانت تتقافز بين أشجار ونخيل تلك الواجهة البحرية الجميلة، وكذلك أصوات وحركة الناس المتعددي الجنسيات الذين تواجدوا للنزهة والتريض بكثرة لافتة رغم بكور الوقت في يوم الإجازة الأسبوعية.

استغرقت طوال نزهتي في متابعة وجوه الناس ورصد تعابيرها، كانت الصورة السائدة بين جميع الوجوه على اختلاف أعمارها وجنسياتها وأجناسها هي صورة الابتسامة المطمئنة، أو هكذا تراءى لي.

أخذني التأمل والتفكير حينئذ إلى ما قد يبحث عنه الناس في أي بلد يعيشون بين ظهرانيه، فوصلت إلى نتيجة أن الناس على الجملة يبغون الوصول إلى حاجاتهم الأساسية من مشرب ومأكل وملبس، ومن ثم يسعون بعد ذلك إلى استكمال الحصول على الأمن والأمان اجتماعياً ووظيفياً ونفسياً، وبعدها ينطلقون في رحلتهم البشرية الطبيعية في محاولة تحقيق طموحاتهم بالحصول على المزيد، سواء على صعيد المال أو العلم أو الوظيفة أو الشهرة والمكانة المجتمعية.

حين رأيت الناس في الشارقة في ذلك الصباح المطمئن الجميل شعرت (أو لعلي تمنيت) أنهم وجدوا حاجاتهم الأساسية في ظل تنعمهم بالأمن والأمان وحصولهم على العيش الرغيد وتوافر الفرص للسعي نحو تحقيق طموحاتهم الإنسانية في مسارات الحياة المختلفة.

مدينة الشارقة. مدينة مسالمة يتعايش فيها الناس بانسجام، يحترم المواطن فيها الوافد، والوافد إليها المواطن، والكل في تلك الثنائية المتعايشة يعرف مكانه ودوره وحقوقه وواجباته.

ثقافة التعايش بسلام مع الآخر وقبول حقه في الحياة جنباً إلى جنب معك أيها الإنسان، كائناً من كنت، هي الثقافة الأهم في أي مجتمع يحوي داخله فئات بشرية مختلفة، عرقياً ودينياً وما شابه، ودون هذه الثقافة ينتهي مصير المجتمع إلى أتون الاحتقان المستمر وطاحونة النزاعات المتأججة بين وقت وآخر، والتاريخ يشهد على ذلك في الشرق والغرب.

يخيل لي أن الشارقة، حكومةً وشعباً، أدركت هذا الأمر تمام الإدراك، فحرصت عليه أشد الحرص، وذلك بعكس كثير من حكومات البلدان الأخرى، القريبة منها والبعيدة، فاطمأنتْ ونعِمَت، ولهذا حق لها أن تطلق على نفسها اسم "المدينة الباسمة"!