ترتكز التنمية البشرية من منظورها الحديث على ثلاثة مرتكزات أساسية تضمن استدامتها في المستقبل وهي: الارتقاء بالتعليم واكتساب القدرات الذاتية، توافر الرعاية الصحية بمستوى عال، ضمان الأمن والاستقرار، ومن دونها لا يمكن أن تحقق أي تنمية بشرية أهدافها.

Ad

ومن جانب آخر تتفاوت فلسفة الصحة والعلاج الصحي بين الدول باختلاف مستواها الثقافي والمعرفي والعلمي والاقتصادي، حيث تعتبر كثير من الدول أن القطاع الصحي، سواء كان في مجال التقنيات الصحية، صناعة الأدوية، أو مجال التعليم والأبحاث والتأمين الصحي، وهي جميعها أركان أساسية من الفلسفة الصحية، مصدر اقتصادي يعول عليه الاقتصاد المحلي في إيجاد فرص الاستثمار والعمل على حد السواء.

 ومن هذا المنطلق يعتبر العلاج الصحي في الدول المتقدمة مكلف الثمن، وكنتيجة لطبيعة الفلسفة الصحية ضمن إطار الدولة، ولهذا تبنت كثير من مجتمعات العالم الغربي التأمين الصحي خصوصا التأمين على العاملين وضمان العلاج الصحي للمتقاعدين والمسنين، وعليه تم تأسيس آليه عمل وثقافة يقوم عليها التأمين الصحي، خصوصا عند التعامل مع المراكز الصحية بشأن تسعير الخدمات الصحية، ومدى ضرورة العلاجات والفحوص الطبية، وتخفى هذه المعرفة عن الكثير من المعنيين والقائمين على الصحة والعلاج الصحي في كثير من الدول النامية مما يوقعها في مشاكل بكيفية التعامل مع إدارة شؤون علاج مواطنيهم في الخارج.

لا يمكن إنكار الجهود الخيرة والمساعي الطيبة لعلاج المواطنين في الخارج عن طريق تخصيص مبالغ ضخمة مرصودة لهذا الشأن، ولكن مع الأسف كما هو معلوم لم تثمر المأمول منها، وما زالت العامة غير راضية عن أداء وزارة الصحة بشأن العلاج بالخارج، سأتناول بعض الجوانب السلبية التي تنتاب العمل وفلسفته بهدف التغلب على ما هو قائم، ولضمان كرامة المواطن وترسيخ مبادئ الدستور والحقوق بشأن الصحة والعلاج الصحي.

ولتجاوز الإخفاقات الإدارية في إدارة شأن عام يمس جميع المواطنين، ولضمان التعامل الحسن مع المواطنين بشأن وضعهم الصحي أو أمورهم المعيشية من جهة، والتعامل المهني لضمان الحقوق المالية والأدبية للمصحات ومراكز العلاج الصحي وعدم الإضرار بسمعة الكويت كدولة لا تفي بالتزاماتها المالية بالوقت المحدد مما يعرضها للمساءلة القانونية وعدم الترحيب بمواطنيها لتلقي العلاج، فلا يستقيم أن تعجز دولة كالكويت عن توفير المبالغ المالية لسداد مستحقات الآخرين وبعلم القائمين على إدارة العلاج بالخارج وكبار المسؤولين في وزارة الصحة، حيث يعتبر ذلك عملا يمس بسمعة الكويت الدولية من دون وجود مبررات حقيقية عدا سوء الإدارة.

 فعلى سبيل المثال، يتردد أن المكتب الصحي بواشنطن لا يتعامل مع مستشفى "أم دي أندرسون" في حين المكتب الصحي العسكري يتعامل معه، كما يتم منح مواعيد في مستشفى معين لمرضى دون آخرين من دون معرفة السبب وراء هذه الحال، هذه الأمثلة تنمّ عن خلل في إدارة بعض المكاتب الصحية بالخارج.  يكمن الهدف الأسمى في ضمان علاج المواطنين بعدالة من الأمراض المستعصية التي لا يمكننا التعامل معها لعدة أسباب لسنا في صدد الخوض فيها، وضمان عدم تبديد المال العام، والتأكد من عدالة تكاليف العلاج وتفادي الفحوص أو التحاليل أو الأشعات وغيرها غير الضرورية، وبدون أدنى شك لم ولن تستطيع الكوادر الصحية القائمة على العلاج بالخارج بالوزارة سواء كانت في الكويت أو في المكاتب الصحية الخارجية من تحقيق ذلك، لسببين بسيطين: أولا، ضعف الإلمام والمعرفة بجوانب وخبايا التأمين الصحي وكيفية تعامله مع المصحات والمراكز العلاجية.

والثاني، بسبب زيادة عدد المرضى وعدم توافر الإمكانات البشرية والمادية لإدارة شؤونهم.

إذاً ما العمل؟ أعتقد أن الإجابة بسيطة من وجهة نظرنا المتواضعة، المشكلة بطبيعة الحال ليست توافر موارد مالية، إنما كيفية إدارتها بشكل كفؤ، فلو كنت متخذ قرار لأمرت الهيئة العامة للاستثمار بالعمل على الاستثمار والسيطرة على أكثر من شركة تأمين صحي عالمية ذات مستوى مرموق في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، على أن تدار وفق أسس تجارية استثمارية بحتة.

يكون الهدف من الاستحواذ استثمارياً بحتاً وإضفاء جانب اجتماعي له بواسطة توفير ضمان (تأمين) صحي للمواطنين المراد علاجهم بالخارج من دون أي مقابل، أو منح كل المواطنين الراغبين في العلاج بالخارج نظير اشتراك سنوي تساهم الحكومة بتحمل جزء منه، سيحقق مثل هذا القرار وفورات مالية يمكن تقييمها بعد فترة زمنية من العمل بهذا القرار.

ومن ضمن عمليات الشركة يتم إنشاء إدارة خاصة لرعاية الشؤون الصحية للمواطنين الكويتيين، وذلك عن طريق إعطاء ضمان صحي يخول حامله العلاج بأي مركز صحي في الولايات المتحدة في إطار الضوابط المعمول بها في التغطية الصحية والعلاجية، على أن تقوم الشركة بمتابعة شؤون دفع تكاليف العلاج والتحقق منها وفق ما هو معمول ومتعارف عليه في الولايات المتحدة، وبالتالي سنوفر أموالاً طائلة تتعلق مباشرة بالتكاليف الباهظة للعلاج بسبب عدم قدرتنا وعدم معرفتنا بكيفية التعامل مع المراكز الصحية، كما سنوفر الأعباء المالية المخصصة لإدارة شؤون المرضى في المكاتب الصحية الخارجية التي لا تحسن التعامل مع مرضاها بسبب عدم كفاءة العاملين فيها، سواء كان نتيجة لعدم وجود كفاءات طبية وصحية مدربة على هذا النوع من العمل، أو نتيجة لعدم دفع المبالغ المطلوبة لاستقطاب الكفاءات ذات الخبرات في هذا المجال.

ويمكن للحكومة تحمل تكاليف التأمين الصحي السنوي للمواطن لحين استكمال علاجه بالخارج، كما يجب ألا تكون العمليات المنوطة بهدة الإدارة فقط هادفة للربح، وتقوم الحكومة بتغطية تكاليف العلاج بالكامل بعيدا عن ميزانية الشركة أو عملياتها التجارية الأخرى.  

* باحث علمي وأكاديمي