ذهبت لمشاهدة فيلم «زنقة ستات»، الذي كتبه هشام ماجد وكريم فهمي،  وأخرجه خالد الحلفاوي،  في أول تجربة له، وشعور يتملكني أن ثمة شيئاً غامضاً وراء مقالات المديح التي طاولت الفيلم، رغم عنوانه الذي لا يُبشر بالخير، وكونه من إنتاج أحمد السبكي، الذي لم يرض النقاد يوماً عن أفلامه،  وأشبعوه سخرية وهجوماً، فضلاً عن الحملة الدعائية التي ركزت على أغنية للمطرب الشعبي محمود الليثي في ملهى ليلي شارك فيها، كالعادة، كل أبطال الفيلم،  وتقول كلماتها: «كلمنى ع الفودافون السبكي ع التليفون»، ومن ثم جاءت صورة طبق الأصل من الحملات التي تسبق طرح أفلام «آل السبكي» في الصالات، وتطاردها اتهامات السطحية والابتذال وتشويه الذوق العام،  فما الذي تغير ليحقق «زنقة ستات» كل هذا المردود الإيجابي من النقاد؟

Ad

مع الدقائق الأولى أدركت أن ثمة مخرجاً يعرف هدفه، بداية من اختيار موضوعه، وتوظيف عناصره الفنية، وتسكين ممثليه في الشخصيات الدرامية بقدر من الجرأة التي لا يمكن تجاهلها، مثلما فعل مع نسرين أمين، التي اختار لها دور «سميحة العو»، التي تنافس الرجال في العنف والبلطجة، وندبة غائرة لا تفارق وجهها، وعاد ليُكرر الجرأة نفسها عندما تشبث بظهور أيتن عامر وهي ترتدي الحجاب طوال أحداث الفيلم ضارباً عرض الحائط بقطاع من الجمهور اعتادها في شكل نمطي رخيص!

في هذه النقطة تحديداً يأتي تفرد «الحلفاوي»، فإضافة إلى إصراره، ونجاحه، في الانقلاب على الصورة الذهنية والنمطية، اتسم موقفه بالنضج، وتبنى رؤية تلمح منها وعياً كبيراً بدور ورسالة الفيلم الكوميدي، الذي يلبي هدف الترفيه والإمتاع من دون أن يجنح إلى الإفيهات الخشنة والغلظة، والفجاجة، فضلاً عن الجرأة في اقتحام ظواهر شائكة من دون أن يعتلي منبر العظة والخطابة، وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في رصده الموضوعي للعلاقة بين البطل «علي منير الجحش» (حسن الرداد) والفتاة المحجبة «سهام» (أيتن عامر) فكما أشار، بذكاء، إلى أن المسجد الذي تصلي فيه الفتاة، وكذلك مقر سكنها، يقعان في منطقة تحولت إلى نواة للتطرف الديني، احتفظ للفتاة المحجبة بصورة الفتاة المستنيرة، التي تفهم صحيح الدين، وترفض الغلو والتزيد، وفضح، على الوجه الآخر، صورة الشاب الجاهل، الذي تصور أن الدين لحية وجلبابٌ أبيض... وتحريم!

  يُذكرك فيلم «زنقة ستات» بنوعية من الأفلام سادت فترة السبعينيات من القرن الماضي، لعل أشهرها فيلم {دقة قلب} تأليف فاروق صبري وإخراج محمد عبد العزيز، اتسمت برقي المعالجة، والحرص على تقديم الكوميديا المحترمة.وهو ما رأيته متجسداً في السيناريو الذي كتبه الثنائي هشام ماجد وكريم فهمي بسلاسة لا تنقصها الحرفية، وخفة ظل كانت سمة لمواقف الفيلم من دون تلفيق أو جرح لمشاعر الجمهور، الذي شكلت العائلات أغلبه، بينما بدا المخرج خالد الحلفاوي صاحب شخصية وأسلوب يعرف كيف يقدم الضحك الناتج عن تكرار «الإيفيه» نفسه، على غرار مذهب «المدبوليزم»، كما رأينا في المشاهد التي يصفع فيها الرداد مساعدته (إيمي سمير غانم)، ويجسد شخصية  «كوكو» مدرب الرقص المُخنث من دون أن يُشعرك بالتقزز،  ويمر مروراً له مغزى على العلاقة المرتبكة بين أستاذ الجامعة (بيومي فؤاد) وزوجته (عفاف رشاد) والنصب العصري عبر توظيف التكنولوجيا الحديثة، تطبيق إمكانية محاكاة الصوت، وربما تحمل بعض المشاهد جرعة من المبالغة؛ خصوصاً مشهد اتفاق الأب الطبيب النفساني (سامي مغاوري) على أن يترك للابن (الرداد) مهمة علاج إحدى الحالات المستعصية مقابل منحه المصنع الذي يملكه في لندن. لكنها المبالغة المقبولة التي يمكن للمتابع أن يغفرها في السياق «الكاريكاتوري»، وفي السياق الذي يعكس احتراماً واضحاً للمتلقي، وليس استخفافاً به!    

  هنا أتوقف عند حسن الرداد، الذي كنت أول من أشاد بحسه الكوميدي، في فيلمي «الآنسة مامي» و{نظرية عمتي»، وتمنيت لو أمكن استثمار موهبته، وتوظيفها في المكان الصحيح، وهو ما فعله «الحلفاوي»، الذي أظهر براعة في السيطرة على ممثليه، ولم يستثن ممثلي الأدوار المساعدة، وقدم لنا مواهب فنية مبشرة؛ مثل مينا فهيم (مونتاج) ومحمد عز العرب (مدير تصوير أنجز من «عنتر وبيسة») وتامر عطا الله (موسيقى) غير أنني لم أستطع أن ألتمس له العذر في موافقته على إنهاء الفيلم بأغنية دخيلة شكلاً وموضوعاً لمجرد أن يُرضي غرور المنتج أحمد السبكي، الذي يتفاءل، في ما يبدو، بأن تنتهي كل أفلامه، وشقيقه، بحفل جماعي يرقص فيه، ويغني، الأبطال على إيقاع  أغنية لمطرب شعبي، وهي الرغبة المشروعة التي يمكن تبريرها في أفلام على شاكلة «شارع الهرم» و{حصل خير». لكن لا يمكن غض الطرف عنها أو القبول بها في تجربة «زنقة ستات»!