كلنا أو غالبيتنا العظمى، تابعت مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي وهي سعيدة وترتجي لمصر التوفيق لتنهض من كبوتها السياسية والاقتصادية والأمنية، وتعود ثقل الأمة العربية وأحد شرايينها الرئيسية للقلب العربي الكبير الممتد بين المشرق والمغرب العربيين، وكذلك النجاح في تجاوز الفخ المنصوب لمصر كياناً وشعباً، وخصوصاً جيشها، وهو الجيش العربي الكبير الوحيد المتبقي بعد أن تم إنهاء وتفتيت الجيشين السوري والعراقي.
ولكن مصر ليست عنواناً لفراغ، ولا شعاراً بلا مضمون، بل هي عنوان للأمة العربية، وشعار لدور يجب أن تلعبه لحماية وصيانة ذلك العنوان، وهو قدرها بسبب معطيات مهمة جيوسياسية وتاريخية، وعندما تتخلى مصر أو تتراخى عن ذلك الدور فإن الأمة في أزمة كبيرة، وتواجه مخاطر عظيمة، وتتجه إلى مصير مجهول، فقد يُسمَح لأشقاء مصر أن يسيئوا التقدير ويخطئوا في تقييم المخاطر، ولكن القاهرة، بوزنها وتجاربها وقدراتها، لا يُسمَح لها ولا يجوز أن تقع في ذلك. وما يحدث في المشرق العربي من تغولٍ للمشروع الفارسي وامتداده كالنار في الهشيم، والثمن الباهظ الذي يدفعه العرب السُّنة من تقتيلٍ وتطهيرٍ عرقيٍّ وإبادة، بينما القاهرة تتجاهله أو تساكنه وأحياناً تجامل صاحبه، وهو فعل يثير علامات استفهام كبيرة، بل إن مصر تريد أن تشرعن الوجود الإيراني عبر تثبيت نظام بشار الأسد في سورية بمصالحة على أشلاء السوريين، واستقبالها كذلك للحوثيين المتمردين في اليمن، وتجاهل الدبلوماسية المصرية التام لما تقوم به طهران في العراق. مصر تدعونا كعرب الخليج – وهو حق لها وواجب علينا- أن نقف معها في محنتها في الداخل والخارج، ولكنها في محنتنا مع المشروع الفارسي فإنها غير معنية بنا، ومصر تريد أن تختزل كل تحديات الأمة العربية في صراعها مع تنظيم الإخوان المسلمين وهو أمر -عفواً- بالغ السذاجة، فمصر التي واجهت أعظم المخاطر في تاريخها لا يمكن أن تضعنا في «علبة» الصراع الأعمى مع تنظيم يتهاوى، ولا يمكن أن نترك الشام تُدمّر تحت فكرة أن بديل النظام العلوي هو الإخوان المسلمون، التي يروجها النظام نفسه وحلفاؤه في طهران وبيروت وبغداد، والغريب أن بعض مثقفي مصر ومحلليها السياسيين لا يرون في المشروع الإيراني وتمدده خطراً على مصر، بل إن بعضهم يروّج أن ذلك المشروع يستهدف في نهايته تحرير فلسطين! وهي حالة انعدام رؤية تامة وليست قراءة خاطئة للأحداث فقط.القاهرة تعلم تماماً الدور الذي لعبته طهران و»حزب الله» على حدودها في غزة ومدن القناة، ولكنها مُصرّة على أن تكون جبهتها المفتوحة مع أنقرة فقط! وزارة الخارجية المصرية لا تنبت ببنت شفة تنديداً بما يحدث للعرب السُّنة في العراق وسورية. ومصر منغمسة لأبعد الحدود مع الاستغلال الاستخباراتي والإعلامي الإيراني – الأميركي لظاهرة «داعش» الإرهابية في سبيل شيطنة كل العرب السُّنة، ورغم علم القاهرة بظروف دول مجلس التعاون الخليجي من الناحية الجغرافية والتركيبة السكانية في ما يخص إيران فإنها لا تقدم الدعم المطلوب لنا، ولو ببيانات دورية من وزارة خارجيتها لإدانة ممارسات طهران في المنطقة. وإذا كانت دول الخليج أو بعضها قد أساء تقدير نوايا إيران وتكتيكاتها، كنا نتوقع أن تكون مصر بقوتها وخبرتها الاستخباراتية والدبلوماسية جرس التنبيه الذي يقي الأمة العربية من المشروع الذي يتمدد على جانبها ويستهدفها في الصميم، ولكن على العكس تماماً فإن مصر تجامل وتساكن هذا المشروع الفارسي، وهو ما يجعلنا في حالة حيرة من ماهية الدور المصري في الأمة، وينطبق فعلاً على تلك الحالة توصيف «مصر معانا... ومش معانا».
أخر كلام
مصر معانا... ومش معانا!
15-03-2015