إذا جُلت بدواوين الكويت ومجالسها فإنك ستخرج بحصيلة وافرة من الشكوى لمسار أوضاعنا... عادي جداً أن نسمع مر الشكوى من سوء الإدارة العامة وتدحرجها نحو إلغاء وشيوع المخالفات، وتغلغل غول الفساد، وهيمنة أصحاب النفوذ والمصالح، وسيطرة قوى الاحتكار واستحواذها على مقاولات مشاريع الدولة ومشترياتها.
كل ذلك أصبح أمراً معتاداً، فأول ما يُفتح باب النقاش يُطرح السؤال: "وين رايحين؟ وصلنا القاع لو بعد؟ نزلنا تحت الصفر ولا بعد شويه؟".حكومتنا ضعيفة عاجزة، بلا رؤية ولا أفق سياسي ولا قرار، وحتى بعد حصولها على مجلس يصنف بأنه في جيبها بفضل نظام الصوت الواحد لم تستطع تحريك عجلة الإصلاح بوصة واحدة، على العكس اتجهت الأوضاع نحو مزيد من التردي.تقول الحكومة إن أسباب ذلك، كما جاء في خطة التنمية المقدمة إلى مجلس الأمة، هو "استمرار هيمنة المعوقات الإدارية والمؤسسية في القطاع العام الحكومي، بما يؤثر سلباً على نوعية ومستوى تقديم الخدمات العامة للأفراد وخدمات قطاع الأعمال وتنفيذ مشروعات التنمية". هذا ما جاء في خطة التنمية 2020-2015، أي أن أسباب ما نحن فيه من تخلف ليس نقص الموارد أو شحها - وهو ما تعانيه الدول النامية والغنية - وليس ضخامة حجم السكان، كما هو حاصل في مصر أو الهند، وليس نقص القدرات والكفاءات والمهارات، بل سببه المعوقات الإدارية والمؤسسية، يعني، بمعنى آخر، طريقة إدارة السلطة وحكوماتها لمؤسسات الدولة.وهذا "العوار" نص عليه كل ما قُدم في ما سُمي مخطط التنمية قبل غزو العراق وبعده وآخرها خطة التنمية السابقة 2010/2014، وطوال هذه المدة لم تستطع السلطة عبر حكوماتها المتعاقبة إصلاح خلل إدارة مؤسسات الدولة.صراع أبناء الأسرةنعود إلى حالتنا الراهنة لنجدها، بالإضافة إلى كل ما تعانيه، استجد أو أُضيف عامل جديد وهو تفاقم الصراع في إطار أسرة الحكم، أسرة آل الصباح الكرام.مسألة الصراع داخل الأُسر الحاكمة خاصة في البلاد التي يسودها الانفراد في الحكم ليس أمراً جديداً، لكنه في وضع الكويت الحالي ازداد تفاقماً، وتحوّل الصراع إلى معارك مكشوفة وعلنية، وأصبحت أخباراً يومية تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي بتغذية حرفية، وغدا واضحاً أن الأطراف المتصارعة توظف مهارات عالية لإدارة السجال.لم تعد الصراعات خجولة تتحرك همساً أو سراً وتترك تفسيرها للاجتهادات، بل أصبحت معارك علنية حتى الآن بالكلام، والشاهد على ذلك ما دار في مشهد التلاسن عند محاولة الشرطة تنفيذ الحكم القضائي لإغلاق مطبعة الوطن، ثم ما دار من حديث في ديوان القناعات الأسبوع الماضي على مدى ساعة ونصف، وما تناولته جريدة الرأي العام الإلكترونية بعنوان "ربوا عيالكم"! ومَن يراقب الساحة يلمس أن هنالك اصطفافات لتحشيد الأعوان واجتذاب المناصرين، وإذا أخذنا في الاعتبار أن لكل من أطراف الصراع أنصاره بفضل مكرمة الوظيفة والمرتب الجيد دون الحاجة إلى الالتزام بالدوام، والأعداد هنا بالآلاف، والمتصارعون يملكون أدوات عديدة منها المال الوفير الذي جمع بجهد وعرق إبان تولي المناصب، ويملكون معلومات وبيانات الدولة التي كانت تحت أيديهم في غياب الرقابة على احترام سرية المعلومات.أسئلة الأسلحة الملحةومما كان لافتاً للنظر هو إعلان وزير الداخلية إنذار الشيوخ بتسليم ما لديهم من أسلحة، وهو ما يثير التساؤل هل الأمر يتجاوز السلاح الفردي؟ وهل هناك شكوك في وجود ترسانات أسلحة يملكها أفراد؟ وكيف تم ذلك؟ وأين عيون السلطة التي بذلت جهوداً في تتبع حركات وأنفاس المواطنين العاديين؟الصراع الدائر يتجاوز صراع الأجنحة في الأسرة، بل أصبح داخل هذه الأجنحة وأبرزها ما تكشفه القضية المنظورة أمام القضاء، بل ليس سراً أنها ليست الحالة الوحيدة.الأمر المهم هو أن مخاطر هذا الصراع وتداعياته لن تكون محصورة بين أطرافه، ولن تكون محدودة في إطار أسرة الحكم، بل ستنعكس وتمتد إلى المجتمع بكل مكوناته وإلى جميع مؤسسات الدولة، وفي وضع دولتنا التي أصبحت أقرب إلى "الضيعة" فدستورها مجمد في الثلاجة، وانتهاك حرمة القانون فيها بات شائعاً، وأسهل من شربة الماء...وهكذا يمكننا تصور التداعيات المرعبة التي قد تصيب بلدنا ومجتمعنا ودولتنا ومؤسساتها، هذا إن بقي هناك ما يسمى مؤسسات. حفظ الله الكويت.
مقالات
الكويت تواجه مخاطر الانفلات
04-03-2015