فجر يوم جديد: {سينما ببلاش!}
![مجدي الطيب](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1458322261627985900/1458322269000/1280x960.jpg)
لم تكن الحيثيات، في رأيي، بأقل أهمية من الجوائز نفسها، فقد انحازت لجنة التحكيم إلى الفيلم التسجيلي اللبناني «لطرافته واختياره الجرئ لسيدة لبنانية أحبت الحياة حتى الثمالة، ولأنه استطاع أن يقتنص لحظات من الحياة وينقلها مغلفة بالسحر كما تفعل السينما دائما». هذا صحيح بدرجة كبيرة، فالفيلم الذي أخرجه عماد الأشقر، وتقترب مدة عرضه على الشاشة من 22 دقيقة، يأخذنا في رحلة ممتعة مع سيدة لبنانية، في الستين من عمرها، تُدعى «كلود داوود»، انتهى زواجها بالطلاق لكنها لم تفقد تفاؤلها، ولم تترك مجالاً لا تُدلي بدلوها فيه، كالحياة والموت والسياسة والحب وزواجها، الذي تصفه بأنه كان «ملوكياً» قبل أن يغدر بها الحبيب فيطلقها ويتزوج بأخرى. لكن أطرف ما في الفيلم الذي يتسم بنبرة سخرية لاذعة هو الجزء الذي تتحدث فيه السيدة «كلود»، عن علاقتها بالدين والكنيسة، والقس الذي صُدمت فيه، والعذراء «مريم»، التي تخاطبها في أزماتها مخاطبة الند للند، ومبررها في هذا: «أنا لي ابن وأنت لك ابن»، وعندما يسألها المخرج عن الحلم الذي عاشت من أجل تحقيقه تقول: «حلمي أطير»! أما الفيلم التسجيلي المصري «حلوان وأنا» (15 دقيقة)، فقد منحته اللجنة جائزتها: «لبساطته والدفء الذي يخيم على تعليقه»، وكانت محقة، أيضاً، إلى حد كبير فالفيلم الذي أخرجه الشاب محمد عادل اتسم بالجرأة والصراحة، وبدا أقرب إلى السيرة الذاتية للمخرج، الذي يعيش في ضاحية حلوان، التي تقع جنوب القاهرة، لكنه وأمه يكرهان الإقامة فيها، بعكس أبيه المتحمس لها، والمُصر على ألا يهجرها. وجاءت إضافة المخرج المتمثلة في الاستعانة بكتاب صور «حلوان 1887 – 1987» للقس الإيطالي ألدو بنيتي لتثري الفيلم بشكل واضح.«أسود ملون» (27 دقيقة) هو الفيلم الروائي القصير، الذي أخرجه حسن البلاسي، وأثنت عليه اللجنة: «لقدرته على التحليق في الخيال، ورغبته في صنع صورة لا تخلو من إبهار»، ويكاد الفيلم يتحول بالفعل إلى قطعة خالصة من الإبداع، حيث تتراجع جمل الحوار وتتصدر الصورة، عبر توظيف الألوان الصارخة، والفن التشكيلي والإضاءة، بالإضافة إلى العدسات و»الفلاتر»، وقطع الإكسسوار لتجسيد معنى «الحلم»، الذي هو محور وقضية، وسؤال الفيلم :»هل يختار المرء حلمه ؟». «بنت الحبل» نوع آخر من الفيلم الروائي القصير قالت عنه لجنة التحكيم في حيثيات الجائزة : «لأهمية وخطورة القضية التي تناولها مع تحفظ اللجنة على التجاء مخرجه إلى المؤثرات في قضية لا تحتمل مثل هذا الأسلوب»، فالمخرج الإماراتي عبد الله الجنيبي رصد مأساة مؤلمة تجسدها فتاة صماء وبكماء تعيش مع والدها الكهل الكفيف، الذي يعاني عقوق أولاده، وانشغالهم عنه، فضلاً عن رفضهم القاطع استضافة شقيقتهم وبسبب خشية الأب على ابنته يربطها بحبل متصل بيده، ليطمئن إلى وجودها بجواره باستمرار، وهو ما يمكن تأويله، في قراءة أخرى، بالقيود البالية، والأغلال القاسية، التي تُكبل الفتاة الخليجية وتشدها إلى الماضي، لكن «الجنيبي» ينحرف بعيداً عن المأساة بإفراطه في استخدام المؤثرات الصوتية والبصرية، حتى يبدو وكأنه «يضحك في جنازة»! في الأحوال كافة نجحت الدورة الأولى لمهرجان الإسكندرية للفيلم القصير، بينما لم يكن أكثر الناس تفاؤلاً يتوقع لها أن تُقام، فالموازنة فقيرة، والإمكانات محدودة، والدولة، ممثلة في وزارة الثقافة ومحافظة الإسكندرية، لم تقدم أي دعم مادي أو «الوجستي»، ووفود السودان، اليمن والبحرين جاءت على نفقتها الخاصة، في حين تبرع مؤسسو المهرجان: محمد سعدون، محمد محمود وموني محمود بالجنيهات القليلة التي ابتاعوا بها الدروع الأربعة وشهادات المشاركة، التي مُنحت في حفل الختام ليتحقق شعار المهرجان قولاً وفعلاً «سينما ببلاش»!