على عكس الفكرة التقليدية الموجودة لدى العوام في الشارع العربي عن أتباع تيارات الإسلام السياسي عامة والجماعات الجهادية المتطرفة خاصة، بأنهم أميون في مواكبة التطورات التكنولوجية، أثبتت وقائع عديدة عكس ذلك.
الجهاد السيبراني لتنظيم الدولة:انتهينا في الحلقة السابقة من الحديث عن الجهاد التقليدي لتنظيم الدولة ومدى شرعية أفعالهم الجهادية بالادعاء، واليوم نحن بصدد الحديث عن الجهاد السيبراني لتنظيم الدولة وفعاليته.على عكس الفكرة التقليدية الموجودة لدى العوام في الشارع العربي عن أتباع تيارات الإسلام السياسي عامة والجماعات الجهادية المتطرفة خاصة، بأنهم أميون في مواكبة التطورات التكنولوجية، أثبتت العديد من الوقائع ما هو عكس ذلك، بدءا من أحداث سبتمبر التي اعتمد فيها تنظيم "القاعدة" على الإنترنت في التخطيط للعملية، مرورا بحادثة يونس تسولي أو إرهابي 007 ووصولا إلى ما نحن عليه الآن من انتشار لمواقع الفكر الجهادي وحسابات الجهاديين على مواقع التواصل الاجتماعي، ولعل استخدام تلك الجماعات للإنترنت كان في عام 1996 ببدء المراسلات حول إنشاء تنظيم "القاعدة"، وعليه اليوم نحن بصدد نوع أكثر تطورا من الجهاد هو الجهاد السيبراني الذي يعرف بصورة عامة على أنه "أي عمل جهادي يحدث على الإنترنت".ويمكن لنا تعريف الجهاد السيبراني على أنه ذو شقين:الجهاد الإلكتروني الإيجابي:يمكن القول إنه استخدام المواقع الإلكترونية كوسيلة للتعريف بالإسلام والتعبير عن سماحته والدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية بطرق سلمية كالقضية الفلسطينية، وسوء معاملة المسلمين في دولة ما... إلخ.الجهاد الإلكتروني السلبي: يمكن تعريفه على أنه محاولة لنشر الفكر التطرفي في الفضاء السيبراني، والعمل على تضليل العقول الشبابية باستخدام تفسيرات للآيات القرآنية والأحاديث النبوية خطأً؛ بهدف تجنيد الشباب لمصلحة الجماعات الجهادية المتطرفة كـ"القاعدة" و"داعش"...إلخ، والحصول على أموال لدعم الجماعات الجهادية المتطرفة.والفاعلون في الجهاد السيبراني خمسة أشكال هم قيادة الجماعات الجهادية، ورجال الدين، والمفكرون الاستراتيجيون، والتنظيمات المسلحة، وما يمكن تسميتهم بـ"دراويش المجاهدين"، ويستخدم المجاهدون ثلاثة أشكال من المواقع في جهادهم على الإنترنت بدءاً من المواقع الرسمية للجماعات الجهادية، ثم المدونات والمنتديات الجهادية الشخصية، وثالثا المواقع التوزيعية أو مواقع البنية التحتية للجماعات الجهادية التي تعمل على نشر المواد الجهادية بصورة واسعة.ومن ناحية استخدام الجماعات الجهادية للإنترنت فقد ساعد وفر الإنترنت لتلك الجماعات على التواصل ونشر الفكر والتدريبات الافتراضية والتجنيد والاستطلاع والإعداد للعمليات، وعمل حملات للتمويل واستخدامه في الحرب الإعلامية.الجهاد السيبراني لـ«داعش»:في دراسة مع أحد المراكز البحثية قمنا بعمل دراسة حول الجهاد السيبراني لـ"داعش" بمتابعة تغريدات بعض الحسابات المحسوبة على تنظيم الدولة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، لمعرفة استخدام ذلك التنظيم لمواقع التواصل الاجتماعي وطبيعة نشاطه عليه، وقد توصلنا إلى أن اهتمام الحسابات "الداعشية" في المرتبة الأولى بنشر أخبار حول انتصارات التنظيم، يعود إلى رغبته في إقناع المتابعين بجدية انتصاراته وقوته، ولعب دور ترهيبي لمن يكفر بأفعاله، ثم جاء اهتمام أعضائه في المرتبة الثانية بالحديث حول أنهم يعملون تحت لواء الدين، وفخرهم بالإسلام ودعوتهم له، حيث عملوا على نشر تغريدات دينية، أما في المرتبة الثالثة فقد اهتم "الداعشيون" بالحرب الإعلامية والحرب النفسية بنشر مواد إعلامية حول معارك "داعش" وإرهابه للعدو، واهتموا بعد ذلك بنقطة التجنيد، حيث اهتموا في المرحلة الأولى من ذلك بنشر تغريدات شخصية تعبر عن روح المودة والتآخي بين المجاهدين والفكاهة والمرح والحديث عن حفلات الإنشاد والسمر التي يقوم بها المجاهدون والسياسات الداخلية لـ"داعش" حتى يجذبوا أفرادا للانضمام إليهم والحديث عن أن الحياة في "داعش" ليست قتالاً ودماء كما تصور دائما.أما القول إن "داعش" يتحدث عن انتصاراته دائما، فقد حاول الجهاديون فيه تغيير تلك الصورة بالحديث على مواقع التواصل الاجتماعي حول إخفاقاته وسقوط شهداء منهم، وضرب معاقل لهم حتى يكتبسوا مصداقية أكثر، وفي مرتبة تالية لذلك اهتم "الداعشيون" بالعمل على طلب دعم للحسابات "الداعشية" على "تويتر" لكسب أرضية انتشار واسعة، ثم بعد ذلك اهتموا بسبل التواصل مع المجاهدين بتلقي رسائل على البريد الخاص "inbox"، أما عن اهتمام "داعش" بمعارضيه فقط أتى في المرتبة التالية، حيث اهتم "الداعشيون" بالأخذ بمبدأ "وأعرض عن الجاهلين" بعدم اهتمامهم بصورة كبيرة بالتغريدات المعارضة لهم.وعند الحديث عن الجماعات الجهادية نسارع بالقول إنها تسعى إلى عرض تفسيرات للآيات القرآنية والأحاديث النبوية من وجهة نظرها بصورة خاصة ترجع لمعتقداتها وأهدافهم، إلا أن "الداعشيين" حاولوا تجنب ذلك، حيث إن اهتمامهم بتفسير الأحاديث والآيات جاء في مرتبة متأخرة في تغريداتهم على "تويتر".الأفعال أبلغ من الأقوال، وعملاً بهذا المبدأ حاول "الداعشيون" نوعاً ما عدم الحديث عن إمكاناتهم البشرية وأسلحتهم بصورة واضحة في تغريداتهم وكأنهم يريدون القول: "أفعالنا أبلغ من أقوالنا".من ناحية أخرى حاول الداعشيون البعد عن لغة التهديد مقارنة بالاهتمامات الأخرى في تغريداتهم ليظهروا في صورة رد العدوان لا المعتدي، ويظهر في النهاية بصورة واضحة بعد حساب العينات أن الحديث حول جهاد النكاح جاء لوأد شبهة القول إن الجماعات الجهادية وتابعيها يهتمون بجهاد النكاح والجنس كما يصور البعض.«داعش» على «تويتر» جهاد أم إرهاب سيبراني؟يعرف Barry Collin الإرهاب السيبراني أنه "هجمة إلكترونية غرضها تهديد الحكومات أو العدوان عليها سعيا إلى تحقيق أهداف سياسية أو دينية أو أيديولوجية، إن الهجمة يجب أن تكون ذات أثر مدمر وتخريبي مكافئ للأفعال المادية للإرهاب، ومن أمثلة ذلك الهجمات التي تؤدي إلى الموت أو الإصابة البدنية والانقطاعات الطويلة للكهرباء وتحطم الطائرات وتلوث المياه، أو خسائر اقتصادية كبيرة، وتلك الهجمات التي تقطع وتخرب خدمات غير أساسية أو تلك التي تمثل في الأساس إزعاجا من حيث التكلفة فإنها لا تعتبر إرهابا سيبرانيا".وعليه فإن الإرهاب السيبراني يشترط وجود عمل مدمر سواء اختراق لمواقع أو تعطيل خدمة عن مواقع بعينها أو تدمير موقع ما، وبالنظر إلى "الداعشيين" ونشاطهم على مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا "تويتر" فقد غابت الأسباب الرامية إلى تلقيبهم بالإرهابيين، فلم نرصد استغلالهم لشبكات التواصل للقيام بجريمة سيبرانية سواء اختراق حسابات أو تدمير مواقع وصفحات شخصية... إلخ، من الجرائم السيبرانية التي تقع في إطار الإرهاب السيبراني وإلى هذا الوقت لا يمكن إطلاق لفظ إرهاب سيبراني على نشاطهم.وللحديث بقية.* كاتب وباحث سياسي مصري
مقالات
دولة «تنظيم الدولة» (3)
14-04-2015