ماذا نفعل؟.. نلطم!
مضى 19 عاماً بالضبط (عدد أكتوبر نوفمبر 1995) على نشر الباحث الأميركي فاهان زانويان مقالة في دورية "فورن أفيرز" بعنوان "ما بعد بحبوحة النفط، الإجازة تنتهي في الخليج". عند الكاتب هي إجازة الاقتصاد للدول الخليجية المفترض نهايتها بعد تدهور أسعار النفط في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، فالخطر على المصالح الأميركية في ذلك الوقت لم يكن بقاء صدام في السلطة، ولم يكن هذا الخطر متصوراً في إيران، بل كان متحققاً في التآكل الاقتصادي وجمود المؤسسات السياسية لدول المنطقة.
ففي دولنا، تمثلت الإجازة من الاقتصاد في غياب ضبط الميزانيات العامة، وتحديد أولويات الإنفاق العام، إضافة إلى ذلك كانت الصور الفذة لهذه الإجازة قد تجلت في ضخامة الكعكة المالية التي أصاب خيرها الكثيرين. تلك الإجازة تأصلت على قانون الدخل الريعي، أي دخل الدولة القائم على استخلاص ثروة طبيعية (النفط) من دون جهد إنساني مقابل، مثل ريع صاحب العمارة الذي ينتظر الأجرة من المستأجرين كل شهر، دون عمل وجهد حقيقيين.هذه الحالة الريعية تأصلت في سبعينيات القرن الماضي، بعد طفرة أسعار النفط، وتحققت أشكالها في اقتصادات دول المنطقة، حين بنت المستشفيات والمدارس والطرق، والكثير من البنى التحتية، دون أن يرافق ذلك تغيير حقيقي للبنية الاقتصادية والسياسية. كان الوضع العام ممثلاً في أسر حاكمة وعائلات ثرية لها امتيازات خاصة في الدخل، والآن (الحديث مازال عن أزمة أسعار النفط عام 95) الإشكالية، في ذلك الوقت هي كيف يمكن للحكومات والقطاع الخاص (وهو قطاع توريثي) وللكثيرين المستفيدين من إجازة الاقتصاد، خفض ميزانية الإنفاق العام دون المساس بمصالحهم، وتحقيق بعض الإصلاحات السياسية؟ فأولويات دول المنطقة انحصرت في الأمن ولا شيء غير الأمن، وهناك قناعة عند الإدارة الأميركية (تذكروا هذا الحديث كان قبل 20 سنة تقريباً) أن أي إخلال في أمن الأنظمة سيوفر للجماعات المتطرفة الدينية منفذاً للهيمنة على الحكم.الآن، بعد مضي 19 عاماً من المقال الفذ لـ "فاهان" أسأل: ماذا تغيّر علينا، وماذا تعلمت الكويت، تحديداً، من تجربة منتصف التسعينيات؟!وما بين الأمس واليوم، ماذا صنعت الإدارة السياسية لإصلاح نفسها وإصلاح مرض الإجازة الممتدة، التي أصابت الديرة بالشلل ومرض النوم والتسويف في الإنجاز والاتكال على عمل الغير، غير إبر المخدر التي كان تضخ في عروق الدولة عبر الهبات والكوادر المالية والامتيازات للبعض، مقابل صمت الناس عن هدر وفساد ماليين متأصلين في الإدارة السياسية للدولة؟! لا شيء قُدّم!ما هي أولويات السلطة، وهي تواجه الآن هذا التحدي الكبير في تدهور سعر النفط؟!اكتب المقال الآن، وأمامي مانشيت جريدة "الجريدة" بعنوان "الاتفاقية الأمنية أولوية حكومية"..!!ماذا نفعل… نلطم؟! مساكين أطفالنا…